التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة العنكبوت

صفحة 433 - الجزء 5

  يَحْكُمُونَ ٤ مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ٥ وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ٦ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ


  (٤) {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} {أَمْ حَسِبَ} إضراب عن السؤال الأول إلى سؤال الذين يعملون السيئات، أي بل أحسب {الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا} والسيئات: المعاصي القبيحة، ومعنى {أَنْ يَسْبِقُونَا} أن يفوتونا فلا نتمكن من أخذهم إن حسبوا ذلك فذلك الحسبان أقبح من حسبان من آمن أن لن يفتنوا، وهذا الحسبان مقرون بحكمهم لأنفسهم بالنجاة؛ لأن الواحد منهم يقول: {وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى}⁣[فصلت: ٥٠] {سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} فهو حكمٌ سيء ما أسوأه! لأنه باطل وغرور خادع لهم يوقعهم في جهنم؛ ولأجله يسألون، أحسبوا أنهم يفوتون الله حتى حكموا لأنفسهم بالنجاة لأنه لا حجة لهذا الحكم فلماذا يحكمون به ألأنهم يحسبون أنهم يسبقوننا؟!.

  (٥) {مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآَتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} {مَنْ كَانَ} مؤمناً {يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ} يوم القيامة لإيمانه بالآخرة إيماناً صادقاً فإن رجاءه غير خائب بل هو واقع، وإن أجله الله فإن أجله {لَآَتٍ} لا يتخلف، وبذلك يبلغ المؤمن ما أمله من لقاء الله {وَهُوَ السَّمِيعُ} لقول من آمن ولكل قولٍ {الْعَلِيمُ} بإيمانه ورجائه وبكل شيء فهو يجزي المؤمن ولا يضيع عليه مثقال ذرة؛ لأنه لا يخفى عليه إيمان المؤمن ولا شيء من أقواله وأعماله.

  (٦) {وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} {وَمَنْ جَاهَدَ} أي قاتل أو أعم من ذلك مهما كان مشروعاً فإنما يجاهدهم لنفسه؛ لأنه وإن جاهد لله وفي سبيله فنفع الجهاد للمجاهد؛ لأن ثوابه له.