التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة العنكبوت

صفحة 435 - الجزء 5

  لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ ٩ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا


  وقوله تعالى: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ} بمعنى شدَّدا في المطالبة لك بالشرك وتحملا الجهد والعناء في ذلك، وتحملت الجُهد في دفعهما والامتناع من طاعتهما في ذلك فلا تطعهما بعد ذلك وبالأولى أن لا يطيعهما لمجرد الأمر بدون عناء وكفاح، والحاصل أنه لا يجوز له أن يطيعهما وإن غضبا من امتناعه وهجراه أو ضرباه، أو حبساه، فأما دفع ضرهما بالتقية بإيهام الموافقة مع اطمئنان القلب بالإيمان فيجوز من ذلك ما يجوز بسبب الإكراه، لأن الله تعالى يقول: {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالأِيمَانِ}⁣[النحل: ١٠٦].

  وقوله تعالى: {إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ} أي إليّ لا إلى أحد غيري فاحذروا عذابي لأن مرجعكم للحساب والجزاء إليَّ، ولا تطيعوا والديكم في معصيتي، وقوله تعالى: {فَأُنَبِّئُكُمْ} أي حين ترجعون إليّ يوم القيامة أنبئكم وأخبركم أو أعلمكم {بِمَا كُنْتُمْ} في الدنيا {تَعْمَلُونَ} لأني علمته كله ولم أنسَ منه شيئاً، وأنا أجزيكم به.

  (٩) {وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ} {وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} وإن هجرهم والدوهم وجاهدوهم على أن يشركوا ولم يطيعوا مخلوقاً في معصية الخالق، وهذا من الإيمان والعمل الصالح؛ لأن العمل الصالح لا يصلح إلا مع التقوى {لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ} لندخلنهم في جملة الصالحين الذين يدخلون الجنة، وهذا كقوله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً}⁣[النساء: ٦٩].