التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة السجدة

صفحة 47 - الجزء 6

  


  قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآَيَاتِنَا} أهل الصفات المذكورة، لا الذين يقولون: {افْتَرَاهُ} فليس من شأنهم أن يؤمنوا، فقد مر في السورة {لاَ رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ومر ذكر الآيات الدالة على قدرة الله تعالى وعلمه لتحقيق صدق وعد الله بالآخرة فما كان المتمردون ليؤمنوا بها إنما يؤمن بها وبغيرها من آيات الله، إنما يؤمن بها المستعدون للإيمان بنية صالحة وسلامة من الإصرار على القبائح، فقلوبهم سليمة من الرين، فإذا سمعوا آيات الله خضعوا لها فخروا خاضعين لله، كقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا}⁣[الإسراء: ١٠٧].

  وقد مر في تفسير (سورة الإسراء) إنه سجود بمعنى السقوط خاضعين لله، ليس بمعنى السجود الشرعي؛ لأن السجود الشرعي ليس على الذقن واستعمال السجود في القرآن لغيره كثير، مثل: {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا}⁣[البقرة: ٥٨] {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ}⁣[النحل: ٤٩] {أَلَمْ تَرَى أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ ..} إلى قوله: {.. وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ}⁣[الحج: ١٨] وقال تعالى: {وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ}⁣[الأعراف: ١٢٠] لعله من هذه، لأنهم لم يكونوا قد تعلموا السجود الشرعي.

  فظهر: أن الذي في قوله تعالى: {خَرُّوا سُجَّدًا} من هذا بمعنى سقطوا خاضعين لله إيماناً بآيات الله، وبما تضمن ذكره التذكير بها من الآخرة وما فيها، مثل قوله تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُوا ..} إلى آخر الآيتين، ففيها تذكير عظيم للذين {قَالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الأَرْضِ أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} ولكن المؤمنين هم {الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا}.

  أما هؤلاء فلا يخضعون إذا ذكِّروا بها، فهم لا يؤمنون بها خضوعا لله ربهم الذي يذكرهم بما يلاقونه يوم يلقونه، ولعل هذا في العرب الذين إذا