التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة نوح

صفحة 236 - الجزء 7

  وَأَطِيعُونِ ٣ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ٤ قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي


  (٣) {أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ} تفسير لفائدة إنذاره لهم وطريق سلامتهم مما ينذرهم إن أرادوا السلامة، وذلك أن يعبدوا اللّه عبادة يقبلها وهي عبادته وحده، ولهذا ورد الأمر بها معللة في قوله: {يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}⁣[الأعراف: ٥٩] فكان هذا التعليل يفيد أن المراد العبادة الخالصة لله تعالى، وقوله: {وَاتَّقُوهُ} بمعنى افعلوا ما يقيكم من عذابه من طاعة اللّه، ثم قال: {وَأَطِيعُونِ} ليطيعوه في التعاليم الدينية المفصلة، وفي اجتناب ما ينهاهم عنه، وفعل ما يأمرهم به ليهتدوا.

  (٤) {يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} {يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} فهذه فائدة عاجلة أن يغفر لهم ما قد مضى من أسباب العذاب العاجل من الشرك وغيره فيكف عنهم العذاب العاجل، وهذه مغفرة قال تعالى: {وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ}⁣[الكهف: ٥٨] {وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} أي أجل معين في الواقع فحقق هذه المغفرة العاجلة إبقاءَهم في الحياة الدنيا حتى الأجل المسمى.

  {إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} أي موعد الهلاك الذي جعله اللّه أجلاً لهلاكهم {لَا يُؤَخَّرُ} لأن الله {غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ}⁣[يوسف: ٢١] ولا ينفع عنده الإيمان الذي لم يكن إلا عند معاينة العذاب {لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} فتبادرون بالطاعة قبل نزول العذاب، ولعل أصل المعنى: لو كنتم تعلمون لبادرتم، أو لعلمتم أنه ينبغي لكم أن تبادروا بالتوبة والطاعة.