سورة المدثر
  
  {وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} {وَلَا تَمْنُنْ} نهي عن المنّ بما أعطى أو فعل من الإحسان، كما قال تعالى: {لاَ تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى} وقوله تعالى: {تَسْتَكْثِرُ} فسره (صاحب الكشاف) بمعنى: «تراه كثيراً أو طالباً للكثير» وقوله بمعنى تراه كثيراً مشكل إذا لم يثبت استعمال استكثر مثل استعظم واستكبر؛ لأن الأقرب في هذا المعنى: أنه سماعي لا يثبت بالقياس وهو - أيضاً - مشكل من حيث أنه لا يليق برسول الله ÷؛ لأنه لا يراه كثيراً إلا وهو كثير في الواقع، وهذا صواب يبعد أن ينهى عنه، فأما استكثار القليل فإنما هو شأن البخلاء.
  ولم يذكر (صاحب لسان العرب) لاستكثر إلا إرادة الكثير من الماء في قول القائل: استكثره إياه إذا أراد لنفسه كثيراً ليشرب منه، والرغبة في الكثير في قول القائل: استكثر من الشيء، والإكثار فسماعي وهو الذي ذكره الإمام الهادي # في تفسير {تَسْتَكْثِرُ} فقال #: «ومعنى تستكثر فهو تكثر قول ذلك وذِكْره وتعريفهم به» انتهى المراد.
  وقد يشكل بأن المن مذموم قليله وكثيره فما فائدة التقييد؟
  والجواب: إنه ليس تقييداً، بل القليل مسكوت عنه، ولعله ذكر لكونه كان عادة بعض الجاهلين، فكأنه قيل: لا تفعل كما يفعلون، وقد جاء في الحديث مثله: روى الإمام الهادي # في (الأحكام) عن علي # قال: قال رسول الله ÷: «تحرم الجنة على ثلاثة: مدمن الخمر، والمنان، والقتات» وهو النمام، انتهى. ورواه أبو طالب # في (الأمالي) في (باب التحذير من شرب الخمر) بسند صحيح عن علي # قال: قال ÷: «تحرم الجنة على ثلاثة: المنان والعياب والنمام، وعلى مدمن الخمر» انتهى، فقال: «المنان» وهو يفيد التكثير، وليس معناه إباحة القليل.