التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة المرسلات

صفحة 343 - الجزء 7

  لِلْمُكَذِّبِينَ ٢٤ أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا ٢٥ أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا ٢٦ وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا ٢٧ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ


  (٢٤) {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} المكذبين بيوم الدين، وهذا نتيجة أو كالنتيجة للبرهان؛ لأنهم كذبوا بيوم الدين استبعاداً للقدرة عليه.

  (٢٥) {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا} {كِفَاتًا} مصدر (كفَتَ) قال الإمام الهادي #: «ومعنى {كِفَاتًا} أي ضامة جامعة لكم إخباراً بما فيها من منازلها وبيوتها ودورها التي تكتفتون فيها وتأوون وتغلقونها عليكم، تضمكم وتجمعكم وتكفتكم، أي تجمعكم {أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا} وكفتها لهم أمواتاً: فهو ضمها لأبدانهم في حفرها التي هي قبورهم» انتهى المراد.

  وبه ظهر أن كفت الشيء: ضمه أو جمعه لحفظه، وهو مناسب لما في لغتنا من معنى كفت الشيء في المكْفَت، وأن معنى جعل الأرض كفاتاً لنا: جعلها مُعَدَّة مهيَّأة ليكون لنا منها وفيها مساكن تكفتنا من الحر أو البرد أو المطر أو النَّدا الخفيف الذي نسميه الطل، وغير ذلك من فوائد المساكن التي لا تخفى.

  (٢٦) {أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا} كفاتاً أحياء وأمواتاً، أي تكفت أحياء وأمواتاً، وهذه دلالة على قدرة اللّه ونعمته علينا، ويمكن أن اللّه سمى الأرض {كِفَاتًا} تشبيهاً لها بالدار التي تكفت أهلها، وذلك لتجهيزها لأهلها كما تجهز الدار لأهلها بالفراش والطعام والشراب، وإعداد الأرض لاتخاذ ما يحتاجون، فأشبهت الكفات، كما سمى الأرض {فِرَاشًا}⁣[البقرة: ٢٢] و {مِهَادًا}⁣[النبأ: ٦] لمشابهتها للفراش، والمهاد من حيث تجهيزها وإعدادها لسكنى أهلها عليها، والمعنيان متقاربان وحاصلهما واحد، وهو الدلالة من تهيئة الأرض للإنسان على قدرة اللّه تعالى ونعمته على عباده، ليؤمنوا بالآخرة، ولا يكفروا نعمه بتكذيب رسله، والتكذيب بآياته.