سورة النبأ
  
  وقال الإمام الهادي #: «يريد: لا يجدون فيها فسحة ولا راحة تبرد عنهم كربهم، ولا تنفس عنهم ألمهم، ولا تكشف عنهم حرارتهم، ولم يرد هنا بقوله: {بَرْدًا} وقع البرد وحسَّه، وإنما أراد بالبرد تهوين الأمر؛ لأن العرب تقول: بَرَّد عني غمي كذا أو كذا، وبَرَّدَ عني ألَم علتي كذا وكذا، يريد: هوَّن عني وسهّل علي وفرج كربي كذا وكذا» انتهى المراد.
  (٢٥) {إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا} لا يذوقون شراباً إلا حميماً وغساقاً، والحميم: الماء الحار، وقد وصفه اللّه بشدة الحر بقوله تعالى: {وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ}[محمد: ١٥] وأما الإمام الهادي # فقد جعل شدة حره من مفهوم اسم الحميم؛ لأنه قال في معناه: «الذي قد منع الأيدي عن مسه لشدة حموه وحره» انتهى.
  والحاصل: أن الحميم صفة للماء الذي هو شرابهم، فيحتمل: أن شرابهم جامع للوصفين، كقول الشاعر:
  هو الملك القرم وابن الهمام ... وليث الكتيبة في المزدحم
  فهو حميم وهو غساق، قال الإمام الهادي # في تفسير (الغساق): «فهو الذي قد غلا حتى رمى حبه وتطاير نضجه من جوانب إنائه، فهو يتطاير من الإناء لشدة الغليان» انتهى.
  وهو يحتمل أنه من قولهم: «غسقت عينه: دمعت» كما ذكره في (لسان العرب) أو من غسق الليل؛ لأنه يشوي الوجوه فتسود منه وتظلم، قال تعالى: {وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ}[الكهف: ٢٩] وقد قيل في تفسير (الغساق): الصديد، وقيل: ما يقطر من جلود أهل النار، والأقرب: أنه شيء واحد ماء حميم وغساق، قال تعالى: {هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ}[ص: ٥٧] فأفرد الإشارة وأعاد الضمير عليه مفرداً، بقوله تعالى: {وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ}[ص: ٥٨] ولم يقل: (من شكلهما).