سورة النبأ
  ٢٩ فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا ٣٠ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا ٣١ حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا ٣٢ وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا ٣٣ وَكَأْسًا دِهَاقًا ٣٤ لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا
  (٢٨) {وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا} بتشديده أي تكذيباً، وهذه من أعظم الجرائم؛ لأنها محاربة للدين الذي هو مبني على الآيات، فهو إفساد في الأرض، والآيات: تعم آيات الكون والمعجزات، وآيات القرآن الكريم.
  (٢٩) {وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا} {وَكُلَّ شَيْءٍ} يعم المجرمين وأعمالهم وسائر الأشياء، فلا ينسى مجرم ولا ينسى شيء من جرائمه، فالآية كقوله تعالى: {وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ}[يس: ١٢] وقول موسى # حين قال له فرعون: {فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الأُولَى قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لاَ يَضِلُّ رَبِّي وَلاَ يَنسَى}[طه: ٥١ - ٥٢] وقوله تعالى: {وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}[الأنعام: ٥٩] قال الإمام الهادي #: «وإنما ضرب اللّه لهم بما ذكر من الكتاب مثلاً إذ كان أبين ما عندهم بياناً واضحاً، وأثبته ما كان في الكتاب مكتوباً ..» إلخ كلامه #.
  وعلى هذا: فسواء كان المعنى أحصيناه كتابة، أو أحاط علمنا بعدده ومقاديره حال كونه مكتوباً، والآية يصح أن تكون معطوفة على ما قبلها، داخلة في تعليل تعذيبهم، فهو عذبهم سبحانه لعلمه بما عملوا من أسباب العذاب.
  (٣٠) {فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا} التفات إلى المجرمين، كأن العذاب قد وقع، والمعنى يقال لهم: ذوقوا، كما في قوله تعالى: {وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ}[الزمر: ٢٤] ومواجهتهم بهذا الكلام غضب وتعذيب باليأس من رحمة الله، و (لن) تعم المنفي القريب والبعيد؛ لأنها إذا دخلت على الفعل المطلق الصادق على القريب والبعيد نفته كله، كالنكرة في سياق النفي، ومن هنا تفيد التأبيد.