التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة الانفطار

صفحة 413 - الجزء 7

  فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ ٨ كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ ٩ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ ١٠ كِرَامًا كَاتِبِينَ ١١ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ١٢ إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ


  (٨) {فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} {أَيِّ} تكون للترديد بين شيئين أو أشياء مثل {بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ}⁣[التكوير: ٩] وتكون للتعظيم تقول: رأيت زيداً أي رجل، تعني: أنه من خيار الرجال، فإن كان قوله تعالى: {فِي أَيِّ صُورَةٍ} من النوع الأول، فالمعنى: إن ربك ركبك في أي صورة من الصور شاءها أو شاء تركيبك فيها، أي أنه هو عين لك صورتك من بين الصور، وركبك عليها، وهذه آية في الإنسان عظيمة بينة له جلية؛ لأنه يرى الصور الكثيرة مختلفة لكل إنسان صورة يختص بها على كثرة الناس، وذلك دليل على قدرة اللّه تعالى من حيث قدر على خلقها مختلفة هذا الاختلاف الواسع، وعلى سعة علمه تعالى حيث علم كيف يصور هذا ويخالف بينه وبين سائر الناس على كثرتهم، وذلك دليل على قدرته تعالى على إعادتهم بعد الموت للجزاء.

  وعلى هذا التفسير: تكون {مَّا} في قوله تعالى: {صُورَةٍ مَّا} هي المؤكدة للشياع، كقولك: أعطني كتاباً ما، تريد أي كتاب كان صغيراً أو كبيراً أو في أي فن كان أو غير ذلك، فهي تؤكد الترديد بين الصور جليلها وحقيرها وجميلها ودميمها وغير ذلك، لتفيد أن أي صورة كانت للإنسان فإن اللّه ركبه عليها؛ لأنه شاء أن يركبه عليها.

  وإن كانت {أَيِّ} للتعظيم، أي لتعظيم صورة الإنسان والتقدير في صورة أي صورة ركبك، فقوله تعالى: {مَّا شَاءَ} خبر ضمير محذوف، أي هي ما شاء و (ما) موصولة، والجملة صفة لصورة، فكأنه قيل: في صورة أي صورة هي ما شاء ركبك.