سورة الانفطار
  
  والأبرار: هم المؤمنون المتقون أهل العمل الصالح، والفجار: أهل الفجور وهو ارتكاب الجرائم، وأعمال السوء، والفاجر يقابل البر، فيقال: البر والفاجر، كما يقابل المسيء بالمحسن، والعاصي بالمطيع، فيقال: المحسن والمسيء، والمطيع والعاصي، وقد فسر الراغب الأصفهاني (البر): «بالتوسع في الخير - ثم قال -: وقد اشتمل عليه قوله تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ ..} الآية [البقرة: ١٧٧]» انتهى.
  قلت: وكفى بها تفسيراً للبر، والأبرار: هم أهل البِرّ، وقال الراغب: «والفجور شَقُّ سِتْر الديانة - ثم قال -: وسمي الكاذب فاجراً لكون الكذب بعض الفجور» انتهى، وقد قوبل الفجور بالتقى؛ لتوافق معنى التقى والبر من حيث التطبيق، قال الشاعر:
  لنفسي تقاها أو عليها فجورها
  بل في القرآن الحكيم: {أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ}[ص: ٢٨] فالبر والمتقي واحد، والفاجر والمجرم واحد، وهو العاصي لله المتمرد المصر، سواء كان الفجور بالتكذيب أو غيره من الجرائم.
  وقوله تعالى: {يَصْلَوْنَهَا} أي يباشرونها بأجسادهم بدون حائل، يقال: شاة مصلية إذا شويت بالنار، و {يَوْمَ الدِّينِ} يوم الجزاء، وهو يوم القيامة، وذلك بعد موقف الحساب يؤمر بهم إلى النار فيلقون فيها في ذلك اليوم، {وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ} أبداً فهم يصلونها ولا يغيبون عنها، ومعنى ذلك: أنهم لا يغيبهم عنها مخبأ ولا مكان بعيد، أو حائل بينهم وبينها حتى لا تراهم، وهذا لأنهم في موقف الحساب يسألون وقد بُرِّزت لهم الجحيم، قال تعالى: {إِذَا رَأَتْهُم مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا}[الفرقان: ١٢] ثم يساقون إليها ثم يصيرون فيها خالدين، كما قال تعالى: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ}[هود: ١٦] ولذلك فهم بمرءاها لا يغيبون عنها، لا في موقف الحساب ولا بعده.