التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة المطففين

صفحة 423 - الجزء 7

  


  وقوله تعالى: {أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ} ليس دعوة إلى الظن، فإنه لابد من العلم، ولكن ذكر الظن لأنه يكفي العاقل في أن يحذر المخوف العظيم أن يظن وقوعه عليه إن لم يحذر، وأكثر الحذر في الدنيا من الضرر المظنون، ولا يتوقف العقلاء عن الحذر حتى يتيقنوا، وهذا في ضرر الدنيا الذي هو يسير بالنسبة إلى عذاب الآخرة، فكيف لا يحذره من يظنه، هذا مع أن البعث والجزاء أمر تواترت به الرسل والكتب، وتوارثت الأجيال ذكره.

  وقد اعترف بعضهم بظنه في قولهم: {إِنْ نَظُنُّ إِلاَّ ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ}⁣[الجاثية: ٣٢] وكان بعض أهل الجاهلية يثبته، فكيف وقد جاءهم النذير البشير السراج المنير، وتلا عليهم القرآن الحكيم، فأقل أحوالهم أن يظنوا {أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ} وقوله تعالى: {لِيَوْمٍ عَظِيمٍ} تنبيه لهم على عظم الخطر، ووجوب الحذر لعظيم ذلك اليوم وما فيه من الأهوال والعذاب الشديد، كما مر في تفسير: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ}⁣[الإنفطار: ١٧].

  وقيام الناس لرب العالمين: وقوفهم للحساب والسؤال، خاضعين لأمر رب العالمين، منقادين مستسلمين، قد ضلت الحيل وتقطعت الأسباب، فلا أنساب، ولا شركاء المشركين ... ولا غير ذلك؛ لأن الأمر يومئذ لله وحده لا شريك له ولا معارض، ولا متدخل ولا منازع، ولعل الحديث الوارد أنها تصرخ جهنم يومئذ صرخة لا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا جثى على ركبتيه لتحقيق هذا المعنى، وهو أنهم كلهم خاضعون لأمر اللّه، دون أن يخاف أولياء اللّه أو يحزنوا، وقد جاء القرآن الكريم بتحقيق هذا القيام في مواضع قال تعالى: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ}⁣[الصافات: ٢٤] وقال تعالى: {وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا}⁣[الكهف: ٤٨] وقال تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ}⁣[الأنعام: ٣٠].