التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة الفجر

صفحة 484 - الجزء 7

  يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ ٢٦ يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ٢٧ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً ٢٨ فَادْخُلِي فِي عِبَادِي ٢٩ وَادْخُلِي جَنَّتِي ٣٠


  (٢٦) {وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ} في (لسان العرب): «والوثاق: اسم الإيثاق، تقول: أوثقته إيثاقاً ووثاقاً» انتهى، فالمعنى: أن أعداءه تعالى يوثقون بالسلاسل والأغلال ويقيدون بها، فيكون تعالى قد أوثقهم وثاقاً لا يوثق مثله أحد؛ لأن الأغلال والقيود لا تفك عنهم ولا تخلع أبداً، وهي حديد يصير ناراً - أعني جمراً - فهو بشدته ودوامه لا يماثله إيثاق، ولا يوثق مثله أحد - نعوذ بالله.

  (٢٧ - ٢٨) {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ۝ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً} هذا وعد بعد الوعيد كعادة القرآن في إتباع أحدهما الآخر، زيادة في البيان؛ لأن بضدها تتميز الأشياء، و {الْمُطْمَئِنَّةُ} التي هي لأمنها لا قلق فيها ولا اضطراب، بل هي ساكنة، فهي تنادى بهذه الصفة التي تمتاز بها يوم الفزع الأكبر.

  {ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ} إلى تقريبك وتكريمك، كما قال تعالى: {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ}⁣[القمر: ٥٥] وهذا تقريب معنوي، معناه: تكريم وتشريف ورفع منزلة، واعتبر رجوعاً لأنه أنشأها في الدنيا ورباها وأنعم عليها وتولاها بألطافه وحسن رعايته، ثم في الجنة ترجع إليه إلى حسن رعايته وتمام نعمته.

  {رَاضِيَةً} بما نالت من الثواب، كقوله تعالى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى}⁣[الضحى: ٥] أو راضية عن ربك بما أثابك، كقوله تعالى: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ}⁣[المائدة: ١١٩] {مَرْضِيَّةً} للرجوع إلى ربك بما قدمت.