التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة الفاتحة

صفحة 41 - الجزء 1

  


  وفي التعبير بـ {الصِّرَاطَ} فائدة أخرى، وهي: أنا لم نطلب الهداية إلى الطريق من أجل غموضه وكونه مظنة الالتباس وغلط من مشى فيه؛ لأنه طريق واضح يعبر عنه بالصراط المستقيم، وإنما طلبناه لضعفنا وما يعرض لبصائرنا من الضعف بسبب الذنوب والغفلة والأغراض الدنيوية.

  و {الْمُسْتَقِيمَ} الذي لا عوج فيه فضلاً عن أن يكون فيه ثنايا أي لفّات، والطريق المستقيم أقرب إلى المطلوب، ووصف هذا الصراط بالاستقامة؛ لأنه الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، قال تعالى: {وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا}⁣[الكهف: ١].

  وقال تعالى: {قَيِّمًا لِيُنذِرَ}⁣[الكهف: ٢] فصراط الله قيّم لا عوج له معتدل لا يجور بأهله عن قصده، وهو دين الله الذي ارتضاه لعباده وبيّنه لهم بالقرآن والسنة وغيرهما من وسائل المعرفة.

  واعلم أن الصراط، والطريق، والسبيل، كل منها يدل على أمر مقصود بالمضي فيه، فصراط إلى ماذا؟ وطريق إلى ماذا؟ وسبيل إلى ماذا؟

  والجواب قد بيّنه الله تعالى في قوله: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا}⁣[النساء: ١٧٥] وقوله تعالى: {وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ}⁣[الرعد: ٢٧] والهدى إليه أولاً في الدنيا بالإرشاد إلى معرفته الكاملة، وذكره كثيراً بالقلب واللسان، حتى نترك ما يشغلنا عن ذكره وعبادته، وثانياً في الآخرة بإيصالنا بما تقدم من هدايتنا في الدنيا إلى رحمته ورضوانه {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ}⁣[القمر: ٥٥] ثم بيَّن تعالى هذا الصراط المؤدي إليه فقال تعالى: