التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة الكوثر

صفحة 594 - الجزء 7

  


  فهي تشير أن ذلك لعلمه سبحانه وقدرته وعدله وحكمته وفضله ورحمته وكرمه، ولعل ذلك يرجع إلى أن هذا العطاء مصلحة للكون، كقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}⁣[الأنبياء: ١٠٧] وقد فسر {الْكَوْثَرَ} بنهر في الجنة، وفسر: بكثرة الذرية، والأولى: تفسيره بما قد أعطاه الله من النعم؛ لأن {أَعْطَيْنَاكَ} فعل ماض، إلاَّ أن يحمل على الوعد بالنهر في الجنة، وبكثرة الذرية، فلا مانع من دخوله في العموم.

  (٢) {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} أي {وَانْحَرْ} له، وذلك في الحج والعمرة، اعبده شكراً على نعمه وعملاً بما علمك ربك الذي خلقك ورباك وأنعم عليك صغيراً وكبيراً، صل له عبادة إقراراً له بربوبيته، وتحقيقاً لعبوديتك؛ لتدوم لك النعمة، وتنال ما وعد الله عباده الصالحين.

  (٣) {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} {الْأَبْتَرُ} الأقطع، قال الإمام القاسم # في تفسيرها: «ثُمَّ أخبر سبحانه رسوله ÷: أن كل من شنئه فأبغضه من البشر، فهو مخذول ذليل أبتر ليس له عز مع بغضه له وشنئانه ولا منتصر، إكراماً من الله - جل ثناؤه - لرسوله ÷ وإخزاء لمن شنئه وأبغضه ولم يؤد إلى الله في محبته فرضه» انتهى المراد.

  تنبيه: روي عن علي # لما نزل {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} قال النبي: «يا جبريل ما هذه النحرة الَّتِي أمرني بها ربي؟ قال: إنها ليست بنحرة، ولكنها رفع الأيدي في ثلاث مواطن ..» إلخ الرواية.

  هذه الرواية قد حققت ضعفها في شرحي لبعض (أمالي أحمد بن عيسى) [ص ٢١ - ٢٢] ضعفها من ناحية السند، وضعفها من لفظ متنها، ويكفي في إبطالها أنَّها قد أقرت بأن الرفع معنى مجازي؛ لأنَّه قال: «إنها ليست بنحرة».

  ومن علامة المجاز: صحة نفيه، مع أنَّه واضح أن الرفع لا يسمى نحراً في اللغة، واستعمال النحر في نحر الإبل هو المعنى الحقيقي، وقد دل عليه القرآن والسنة في مناسك الحج، فالحمل على المعنى الحقيقي للمحكم هو الحق والرواية المخالفة له تعتبر مخالفة للقرآن بتغييرها معناه.