سورة آل عمران
  
  (١٩٣) {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ} هذه من دعاء أولي الألباب المبين لاستعمالهم عقولهم فيما يهديهم، إنا سمعنا داعياً رفيع الدعاء يدعو الناس ليؤمنوا يأمرهم بالإيمان أمراً {أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا} حين عرفنا الحق لم نتأخر، فنتوسل بإيماننا إلى أن تغفر لنا ذنوبنا، وتكفر عنا سيئاتنا {وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ}.
  وفي قولهم: {يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ} دلالة على تلازم الإيمان بالله الإيمان الكامل الصحيح والإيمان المطلق الذي يتضمن الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وذلك لأنه يلزم من الإيمان بالله مع وجود الرسول والقرآن الإيمان بالرسول والقرآن ويلزم من الإيمان بالله والرسول والقرآن الإيمان باليوم الآخر والعمل بما يقتضي الإيمان من الطاعة لله والحذر من عذابه، وغفران الذنب قد يكون في الدنيا لا في الآخرة وقد يكون في الدنيا والآخرة، فطلبوا الغفران المطلق، وهو العفو أي في الدنيا والآخرة بقرينة السياق، وأن يستر الله عنهم سيئاتهم حتى لا يروها حسرات عليهم يوم القيامة؛ لأن التكفير: التغطية والستر، قال الشاعر:
  يعلو طريقة متنها متواتراً ... في ليلة كفر النجومَ غمامُها
  وهم قالوا: {كَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا} فالمعنى: استر عنا سيئاتنا التي تسؤونا رؤيتها، فهم بخلاف الذين قال الله فيهم: {كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ}[البقرة: ١٦٧] {وَتَوَفَّنَا} أمتنا {مَعَ الأَبْرَارِ} مع الصادقين الذين أمرتنا أن نكون معهم وذلك من حسن الخاتمة، و {الأَبْرَارِ} ضد الفجار وهم المتقون المنفقون المجاهدون الصابرون في البأساء والضراء وحين البأس، كما أفادته آية {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ ...} إلى آخرها [البقرة: ١٧٧].