التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة آل عمران

صفحة 603 - الجزء 1

  أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ ١٩٥ لَا


  (١٩٥) {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ} {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ} دعاءهم على أن يعملوا صالحاً؛ يقول سيد قطب في (تفسيره): «أنه ليس مجرد التفكر ومجرد التدبر، وليس مجرد الخشوع والارتجاف، وليس مجرد الاتجاه إلى الله لتكفير السيئات والنجاة من الخزي ومن النار إنما هو العمل الإيجابي الذي ينشأ عن هذا التلقي وعن هذه الاستجابة ...» الخ.

  فالاستجابة ليست تحقيق مطالبهم بلا شرط، ولكنها ما فصّله الله في بقية الآية من العمل والهجرة والصبر على الأذى في الله والقتل في سبيل الله، ومعنى: {أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ} أنه مقبول، ولهم عليه ثوابه؛ لأن هذه فائدة حفظه من الضياع.

  وقوله تعالى: {مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى} يصرح بالمساوات بين الذكر والأنثى في قبول العمل والثواب عليه إذا كان من أهل الصفات المذكورة، ومعنى قوله تعالى: {بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ} الذكور والإناث بعضهم من بعض، فهم كالنوع الواحد، وهما نوعان من جنس واحد ولكنهما متقاربان لأن صورهما وقواهما وعقولهما ونحو ذلك أمور متقاربة جداً، ومع ذلك فهما متفرعان من الذكر والأنثى، فالذكر متفرع منهما والأنثى كذلك متفرعة من الذكر والأنثى، ولا يبعد أن هذا معنى قوله تعالى: {بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ}.