هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

(الباب الأول في الأخبار)

صفحة 300 - الجزء 2

  يثقون بهم ويركنون إليهم لما نسبوا إليه من الزهد والصلاح فينقلونها عنهم.

  وقد ذهب إلى جواز الوضع قوم من الكرامية فيما لا يتعلق به حكم من الثواب والعقاب ترغيباً للناس في الطاعة وزجراً لهم عن المعصية.

  وحمل بعضهم قوله ÷: «من كذب علي متعمداً ...» الحديث المتواتر على أن يقول: ساحر أو مجنون، وتشبث بعضهم برواية: «من كذب علي متعمداً ليضل به» بهذه الزيادة، وبأنه كذب له لا عليه، وهذه الزيادة باطلة باتفاق الحفاظ، وعلى تقدير صحتها فهي كقوله تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ⁣(⁣١)}⁣[الأنعام: ١٤٤]، ويحتمل أن اللام ليست للتعليل بل للصيرورة والعاقبة، أي: عاقبة كذبه الإضلال للناس، والكذب له بما لم يخبر به كذب عليه.

  وروى العقيلي بإسناده إلى محمد بن سعيد أنه قال: لا بأس إذا كان كلام حسن أن تضع له إسناداً⁣(⁣٢).

  وقال أبو العباس⁣(⁣٣) القرطبي: استجاز بعض فقهاء العراق نسبة الحكم الذي دل عليه القياس إلى رسول الله ÷ نسبة قولية وحكاية نقلية، فيقول في ذلك: قال رسول الله ÷ كذا وكذا. انتهى.

  وقد صرح علي # بوقوع الكذب على النبي ÷ وأشار إلى ما ذكرناه من الأسباب حيث⁣(⁣٤) قال: «إن في أيدي الناس حقاً وباطلاً وصدقاً وكذباً وناسخاً


(١) فيكون المراد بالتعليل التهجين عليهم، أعني المفترين، فلا مفهوم له، كقوله تعالى: {لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً}⁣[آل عمران: ١٣٠]، أي: لا مفهوم له كما يأتي في بحث المفهوم، وكقوله تعالى: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ}⁣[المؤمنون: ١١٧]، فهي من الصفات اللازمة التي تجيء لمجرد التهجين والتبكيت.

(٢) في (ب): أن يصنع له إسناد. اهـ [الموضوعات لابن الجوزي (١/ ٤٢)].

(٣) في تنقيح الأنظار ما لفظه: وحكى القرطبي في المفهم عن بعض أهل الرأي أن ما وافق القياس الجلي جاز أن يعزى إلى النبي ÷.

(٤) وقد سأله سائل عن أحاديث البدع وما في أيدي الناس من اختلاف الخبر. (من نهج البلاغة).