(الباب الأول في الأخبار)
  والجواب: أنهم إنما أنكروا ما أنكروه مع الارتياب فيه وقصوره عن إفادة الظن، وذلك مما لا نزاع فيه.
  الثالث قولهم: لعلها أخبار مخصوصة تلقوها بالقبول، ولا يلزم ذلك في كل خبر.
  والجواب: أنا نعلم أنهم عملوا بها لظهورها وإفادتها الظن لا لخصوصياتها كظاهر الكتاب وظاهر المتواتر، وهو اتفاق على وجوب العمل بما أفاده الظن.
  وأما إجماع التابعين(١) بعد الصحابة فقد ظهر عنهم العمل به ولم يحك عن أحد من أهل العلم في أيامهم الخلاف فيه، وقد حكى الشافعي في كتاب الرسالة وعيسى بن أبان في كتاب الحجة هذا القول عن جماعة من أعيان التابعين، فذكرا من أهل المدينة علي بن الحسين ومحمد بن علي @ وسعيد بن المسيب وعروة بن الزبير
(قوله): «كظاهر الكتاب» فإنهم عملوا به لظهوره وإفادته الظن.
و (قوله): «وظاهر المتواتر» حصل الظهور للمتواتر من الدلالة.
(١) في معتمد أبي الحسين في سياق أدلة العمل بخبر الواحد ما لفظه: ومنها أنه قد تواتر النقل بإنفاذ رسول الله ÷ سعاته إلى القبائل والمدن لأخذ الزكوات وتعليمهم الأحكام، كإنفاذه معاذاً إلى اليمن ليفقههم[١] في دينهم ويقبض زكواتهم، وقد وجب عليهم المصير إلى روايته في نصب الزكاة وفي فروعها، وقد كان يرد على رسول الله ÷ الواحد والاثنان يخبرانه بإسلامهما وإسلام قومهما ويسألان أن ينفذ من يعلمهم شرائع الإسلام، وكان ينفذ النبي ÷ معهم الرجل الواحد، كإنفاذه أبا عبيدة وغيره، والعلم بذلك ظاهر لمن قرأ الأخبار والسير ولا يمكن دفعه، ولم يكن النبي ÷ ينفذ إليهم الجماعات الكثيرة، ولو فعل ذلك لم يكن أهل المدينة ليفوا بمن أسلم من القبائل، ولا أوجب النبي ÷ على أهل القبيلة أن تصير بأجمعها إليه أو أكثرها لتعرف شرعه، بل أوجب عليهم المصير إلى ما يؤديه رسوله. فإن قيل: أليس كانوا يعرفون التوحيد والنبوءة، وذلك لا يعمل فيه بأخبار الآحاد؟ قيل: أما التوحيد فالمرجع فيه إلى أدلة العقول، فمن أظهره وجب علينا إحسان الظن به وأنه قد اعتقده من وجهه، ومن رام أن يعرف التوحيد أمكنه ذلك بالاستدلال بأدلته العقلية، وليس طريقه الأخبار فيقال: إنهم اقتصروا فيه على أخبار الآحاد أو التواتر، وأما النبوءة فطريقها المعجز والتحدي بالقرآن وغيره من المعجزات، وقد كان اشتهر ذلك في القبائل ولم يكن نقله بالآحاد. اهـ باللفظ.
[١] في المطبوع: ليفتيهم، والمثبت من المعتمد.