(الباب الأول في الأخبار)
  فقال: العمل بالظن في تفاصيل الجمل المعلوم وجوبها عقلاً واجب عقلاً؛ بدليل أن العقل يقضي بقبول خبر العدل في مضرة أكل طعام معين وفي انكسار جدار يريد أن ينقض، فيحكم العقل بأن الطعام لا يؤكل وأن الجدار لا يقام تحته، وذلك تفصيل لما علم بالعقل إجمالاً، وهو وجوب اجتناب المضار، وما نحن فيه كذلك؛ للقطع بأن النبي ÷ بُعِثَ لتحصيل المصالح ودفع المضار، وخبر الواحد تفصيل له، فإذا أفاد الظن وجب العمل به قطعاً.
  وأما غيره فقالوا: لو لم يجب العمل بخبر الواحد لخلت وقائع كثيرة عن الحكم، وهو ممتنع، أما الأولى فلأن القرآن والمتواتر لا يفيان بالأحكام بالاستقراء التام المفيد للقطع(١)، وأما الثانية فظاهرة.
  والجواب عن الأول: أنا لا نسلم أن العمل بالظن في تفاصيل مقطوع الأصل واجب، بل هو أولى للاحتياط ولم ينته إلى حد الوجوب. سلمناه في العقليات فلِمَ يجب مثله في الشرعيات؟
(قوله): «الجمل المعلوم وجوبها عقلاً» قال في الجواهر: كقولنا دفع المضرة وجلب المنفعة واجب ونحوهما.
(قوله): «وما نحن فيه كذلك» يعني أنه يلزم من ذلك وجوب العمل بخبر الواحد في الشرعيات؛ لأن العلة الموجبة للعمل بالظن في العقليات وهو خبر العدل كما ذكره المؤلف #.
(قوله): «وجب العمل به قطعاً» لوجوب وجود المعلول - وهو العمل بجزئيات المعلوم الأصل - عند وجود علته، وهو ظن تفاصيل ما علمناه.
(قوله): «وأما غيره» أي: غير أبي الحسين.
(قوله): «فظاهرة» إذ لا يجوز خلو واقعه عن الحكم.
(قوله): «فلم يجب مثله» هكذا في شرح المختصر، قال السعد: هو بكسر اللام على لفظ الاستفهام، ولم يقل: فلا نسلمه في الشرعيات تنبيهاً على أن هذا المنع مجرد مطالبة بالدليل من غير أن يسند إلى سند يعتد به، قال: لما لا يخفى من ضعف سند الشارحين، وهو منع كون العلة في العقليات هي الظن المذكور؛ لجواز أن يكون أمراً لازماً له في العقليات خاصة أو منع كونه علة في الشرعيات؛ لجواز أن كون خصوصيتها مانعاً. إذا عرفت هذا فالمؤلف # بعد مطالبته بالدليل أشار بقوله: ولا يجب قياسها عليها إلى دفع ما يتوهم دليلاً، وهو قياس الشرعيات على العقليات.
(١) أما في القرآن فواضح، وأما في الحديث فلأن المتواتر أيضاً أحاديث قليلة مضبوطة عند أئمة الحديث، ومعنى عدم وفائهما بالأحكام أن من الأحكام ما لم يمكن إسنادها إليهما لا بطريق المنطوق ولا بطريق المفهوم ولا بطريق القياس على ما فيهما من الأحكام. (سعد).