هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

[فصل: في شروط العمل بأخبار الآحاد]

صفحة 324 - الجزء 2

  وقياسهم لقبوله في الرواية على قبوله في الإخبار بكون اللحم مذكى وبرق جاريته التي يبيعها ونحوهما غير صحيح؛ إذ محل النزاع يشترط فيه عدم الفسق⁣(⁣١)، وما ذكروه مقبول مع الفسق اتفاقاً، على أن الرواية أعلى مرتبة من هذه الأمور الجزئية؛ لأنها تثبت شرعاً عاماً، فلا يلزم من القبول هنا القبول هناك.

[المعتبر في ثبوت الجرح والتعديل]

  مسألة: قال (الأكثر⁣(⁣٢): ويثبت الجرح والتعديل بواحد في الرواية دون الشهادة، وقيل: بل) يثبت الجرح والتعديل بواحد (فيهما) وهو قول المؤيد بالله # والباقلاني. (وقيل: لا) يثبتان بواحد (فيهما) بل يجب الاثنان فيهما جميعاً، وهو قول بعض أهل الحديث، واختاره والدنا المنصور بالله قدس الله روحه، صرح به في قوله: ويعتبر في الجرح والتعديل الشهرة أو شهادة عدلين لا يحملهما هوى.


(قوله): «لأنها تثبت شرعاً عاماً» أي: لأن الرواية تثبت شرعاً عاماً غير متعلق بالراوي، بخلاف ما ذكروا.

(قوله): «فلا يلزم من القبول هنا القبول هنالك» الذي في شرح المختصر فلا يلزم في تلك القبول في الرواية، وهو أولى، فتكون الإشارة بهنا إلى ما نحن فيه.

(قوله): «لا يحملهما هوى» وصف كاشف لا مقيد؛ لأن العدل كذلك.


(١) قالوا: الفسق شرط وجوب التثبت، فإذا انتفى انتفى، وهاهنا قد انتفى الفسق فلا يجب التثبت. قلنا: لا نسلم أنه انتفى الفسق، بل انتفى العلم به، ولا يلزم من عدم العلم بالشيء عدمه، والمطلوب العلم بانتفائه ولا يحصل إلا بالخبرة أو بتزكية خبير به؛ إذ لا يؤمن فسقه، فلا يظن صدقه، والظن كما عرفت معتبر في ذلك. (قسطاس مع عبارة المعيار).

(*) قال أبو الحسين في المعتمد: واعلم أنه إذا ثبت اعتبار العدالة وغيرها من الشروط التي ذكرناها وجب إن كان لها ظاهر أن يعتمد عليه، وإلا لزم اختبارها، ولا شبهة أن في بعض الأزمان كزمن النبي ÷ قد كانت العدالة منوطة بالإسلام، فكان الظاهر من المسلم كونه عدلاً؛ ولهذا اقتصر النبي ÷ في قبول خبر الأعرابي عن رؤية الهلال على ظاهر إسلامه، واقتصرت الصحابة على إسلام من كان يروي الأخبار من الأعراب، فأما الأزمان التي كثرت فيها الخيانات⁣[⁣١] ممن يعتقد الإسلام فليس الظاهر من إسلام الإنسان كونه عدلاً، فلا بد من اختباره، وقد ذكر الفقهاء هذا التفصيل.

(٢) كابن الحاجب من الأصوليين، قال المهدي: وهو ظاهر قول الهدوية. (شرح فصول).


[١] في المعتمد: الجنايات.