هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

(الباب الأول في الأخبار)

صفحة 338 - الجزء 2

  ولو سلم وقوعه فلا نسلم أن رده لم ينقل، كيف وقد روى مسلم في صدر صحيحه عن ابن سيرين قال: «لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة قالوا: سموا لنا رجالكم فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم، وينظر إلى أهل الابتداع فلا يؤخذ حديثهم». ولو سلم أداؤه عند بعض منهم وقبوله فلا نسلم قبول الكل لمن هذه حاله.

  احتج (الرادون) لخبر المتأول وشهادته بقوله تعالى: {(إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ) بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا}⁣[الحجرات: ٦]، والمتأول فاسق لوضوح فسقه فلا يقبل.

  وأجيب بقوله: (وهو ظاهر) يعني أن الآية ليست نصاً في دخول فاسق التأويل، وغايتها ظهور دخوله في عموم الفاسق، وما ذُكِر من الإجماع نص في محل النزاع، فالعمل به جمع بين الدليلين.

  واحتج الرادون ثانياً: بأنه قد ثبت الإجماع⁣(⁣١) أن الكفر والفسق مانعان من قبول الحديث والشهادة فلا يقبل المتأول فيهما؛ إذ لا أحد من أهل العلم يقطع على كفر


(قوله): «والمتأول فاسق لوضوح فسقه» أي: خروجه عن طاعة الله، وهذا استدلال على رد المتأول مطلقاً، فكأن المؤلف # أراد أن المتأول فاسق بالعرف المتقدم ليشمل الكافر المتأول؛ ولذا قال في شرح المختصر: والكافر فاسق بالعرف المتقدم، علم ذلك بالاستقراء، وإن كان لا يسمى في العرف المتأخر فاسقاً ويجعل قسيماً له. قلت: ولو لم يرد بالفاسق ذلك لم يدخل الفاسق المتأول؛ لأن الفسق في العرف المتأخر هو تعمد الكبيرة، لكن قول المؤلف # في الجواب: إذ ليست نصاً في دخول فاسق التأويل لا يناسب شمول الآية للكافر؛ إذ كان المناسب أن يقول: وكافره⁣[⁣١].

(قوله): «ليست نصاً في دخول فاسق التأويل» لشمولها لفاسق التصريح، بل كل فرد منهما.

(قوله): «دخوله في عموم الفاسق» قد ذكر في شرح المختصر ما يؤيد العموم حيث قال: لأن الآية لم تخصص؛ إذ كل فاسق مردود. واعترض الإمام المهدي # دعوى عموم: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ}⁣[الحجرات: ٦]، بأنه ليس من ألفاظ العموم؛ لأن النكرة لا تفيد العموم إلا في النفي، وأجاب شيخنا | في حواشي المنهاج أنه من تعليق الحكم على الفسق، فأينما وجد الفسق وجد الحكم، قال: وهذا معنى العموم. قلت: بل لعل المؤلف بنى عمومه على ما ذكره شارح الجمع ونسبه إلى ابن الحاجب من أن الفعل في سياق الشرط كالنفي نحو: إن رأيت رجلا فأنت طالق، ونحو: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ}⁣[التوبة: ٦]، أي: كل واحد منهم.

(قوله): «إذ لا أحد من أهل العلم» هذا مبني على كلام أبي طالب المتقدم.


(١) في نسخة: بالإجماع.


[١] لا حاجة إلى أن يقول: وكافره؛ لأن المراد بفاسق التأويل ما يشملهما كما عرفت. (ح عن خط شيخه). وقد شكل على قوله: ما يشملهما في نسخة.