(الباب الأول في الأخبار)
  المجادلات والخصومات والفتن وقدح بعضهم في بعض(١)) ومن بحث ونظر في أخبارهم وسيرهم علم ذلك قطعاً.
  وثالثها قوله: (وقيل:) كلهم عدول (إلى حين) ظهور (الفتن) بين علي # وبين معاوية(٢)، وأما بعدها (فلا يقبل الداخلون(٣) فيها لعدم تعين الفاسق(٤)) من الفريقين، وهذا قول عمرو بن عبيد.
(قوله): «إلى حين ظهور الفتن ... إلخ» في الفصول وغيره أن عمرو بن عبيد وواصلا قالا: المراد بذلك آخر أيام عثمان، قال في حواشيه: حكي عنهما أنهما قالا: لو شهد عندنا علي وطلحة والزبير وعائشة ما قبلنا شهادتهم، ثم قال: وقيل: ما بين علي كرم الله وجهه ومعاوية لعنه الله تعالى. فلا يقبل الداخلون فيها؛ لأن الفاسق غير متعين، وأجيب بأنه متعين لما سيأتي من ثبوت الدلالة على بغي من حارب علياً كرم الله وجهه وفسقه؛ ولهذا قال الإمام الحسن # في القسطاس: إن قولهم بأن الفاسق غير متعين ظاهر السقوط والتهافت[١] وأن قائله جاهل فيعرف أو يعرض عنه؛ لأنه مباهت.
(١) قال سعد الدين في شرح المقاصد ما لفظه: أن ما وقع من الصحابة من المحاربات والمشاجرات على الوجه المسطور في كتب التواريخ والمذكور على ألسنة الثقات يدل بظاهره على أن بعضهم قد حاد عن طريق الحق وبلغ حد الظلم والفسق، وكان الباعث له الحقد والعناد والحسد واللدد وطلب الملك والرئاسة والميل إلى اللذات والشهوات؛ إذ ليس كل صحابي معصوماً، ولا كل من لقي النبي ÷ بالخير موسوماً، إلا أن العلماء لحسن ظنهم بأصحاب رسول الله ÷ ذكروا لها محامل وتأويلات بما يليق، وذهبوا إلى أنهم محفوظون عما يوجب التضليل والتفسيق صوناً لعقائد المسلمين عن الزيغ والضلال في حق كبار الصحابة، سيما المهاجرين والأنصار منهم والمبشرين بالثواب في دار القرار. وأما ما جرى بعدهم من الظلم على أهل البيت $ فمن الظهور بحيث لا محال للإخفاء، ومن الشناعة بحيث لا اشتباه على الآراء؛ إذ يكاد يشهد به الجماد والعجماء، وتبكي له الأرض والسماء، وتنهد منه الجبال وتنشق منه الصخور، ويبقى سوء عمله على كر الشهور ومر الدهور، فلعنة الله على من باشر أو رضي أو سعى، ولعذاب الآخرة أشد وأبقى.
(٢) ومثله في عبارة مختصر المنتهى، وجمهور الشارحين على أنه آخر عهد عثمان، وفسره المحقق العضد بما بين علي ¥ ومعاوية لعنه الله، قال السعد: إما ميلاً إلى عدم تفسيق[٢] قتلة عثمان، وإما توقفاً منه على ما اشتهر من السلف أن أول من بغى في الإسلام معاوية. (سعد الدين).
(٣) وأما الخارجون عنها فكغيرهم. (عضد).
(٤) فكلاهما مجهول العدالة فلا يقبل. (قسطاس).
[١] كيف وقد تواتر عنه ÷ عند المخالفين فضلاً عن المؤالفين قوله لعمار: «تقتلك الفئة الباغية»، ونحو ذلك. (ح).
[٢] في حاشية السعد: إما ميلاً إلى تفسيق. لكن الذي في العضد: وقيل: هم كغيرهم إلى حين ظهور الفتن ... إلخ.