[فصل: في شروط العمل بأخبار الآحاد]
  (قيل:) قول الصحابي: قال (يحتمل التوسط) فيكون مرسلاً فلا يكون حجة(١)، وهذا مذهب القاضي أبي بكر الباقلاني؛ لأنه قال: إن قلنا إن الصحابة(٢) كلهم عدول قلنا: إنه حجة، وإلا فلا(٣)، وقد عرفت أنه يقول: إنهم كغيرهم من الأمة.
  المرتبة الثالثة قوله: (ثم أمَرَ) ÷ بكذا أو نهى(٤) عن كذا، وإنما كانت دون الثانية لاشتراكهما في احتمال التوسط واختصاص هذه باحتمال آخر بينه بقوله: (قيل: يحتمل اعتقاد ما ليس بأمرٍ أمراً(٥)) لسعة المعاني التي تستعمل فيها صيغة الأمر.
  وأيضاً يحتمل أن يكون أمراً للكل أو البعض(٦)، وعلى كل واحد يحتمل الدوام وغيره. والجمهور على أنه حجة؛ لأن الصحابي عدل عارف باللسان فلا
(قوله): «فيكون مرسلا فلا يكون حجة» أطلق المؤلف # أولا عدم الحجية، ثم علل ذلك بما يقتضي التفصيل حيث قال: إن قلنا: إن الصحابة كلهم عدول قلنا: إنه حجة، وإلا فلا. والذي في شرح المختصر: وقال القاضي: متردد بين أن يكون سمعه منه أو سمعه ممن يرويه عنه؛ للاحتمال، وحينئذ فيبنى قبوله على عدالة جميع الصحابة، فإن قلنا بعدالتهم قبل؛ لأنه يرويه إما بلا واسطة أو بواسطة عدل، وإلا لم يقبل؛ إذ قد يرويه عن واسطة ولم تعلم عدالته.
(١) إن لم يقبل المرسل.
(٢) فالواسطة التي تحتملها هذه الصيغة يكون عدلاً على القول بأن كلهم عدول، وإن لم يقل بذلك احتمل أن يكون الواسطة غير عدل فلا يكون حجة.
(٣) ولفظ غاية الوصول: وقال القاضي أبو بكر: إنه لا يدل على ذلك، بل يحتمل أن يكون قد سمعه من الرسول ÷، ويحتمل أنه سمعه من غيره، فإن قلنا: إن الصحابة بأسرهم عدول كان بمنزلة ما لو سمعه من الرسول ÷، وإن لم نقل بذلك بل لا بد من البحث وجب البحث عن الراوي، ويكون حكم هذا حكم مراسيل التابعين وتابعي التابعين.
(٤) هو مختار أئمتنا والجمهور كابن الحاجب والآمدي والغزالي؛ لأنهم قالوا: المرسل قول غير الصحابي، وأما الصحابي فالظاهر الاتصال. (من شرح ابن جحاف على الغاية).
(٥) وما ليس بنهي نهياً؛ لاختلاف الناس في صيغة الأوامر والنواهي، ولعله اعتقد أن الأمر بالشيء نهي عن جميع أضداده، وغيره لا يعتقد ذلك، فلا يكون حجة عنده. (غاية الوصول باللفظ). ويجوز أن يطلق الراوي أمراً أو نهياً على ما ليس بأمر ولا نهي تسامحاً. (من شرح المحلي على الجمع).
(٦) فلا يجوز الاستدلال به إلا إذا انضم إليه قوله: «حكمي على الواحد حكمي على الجماعة». (شرح فصول).