(الباب الأول في الأخبار)
  وإن قلنا: إنه غير مقصور على قول التابعي فمرسلات الأئمة المعروفين بالأمانة والحفظ كالهادي # ومن في طبقته من أئمة أهل البيت $ وغيرهم مقبولة(١)؛ وذلك لأن من ظاهر أحواله الثقة والدين والأمانة يبعد أن يروي الأخبار الواردة في العبادات والأحكام الشرعية عمن لا يثق به من دون أن ينبه على ذلك ويدل عليه؛ لأن الغرض من روايتها الرجوع إليها والعمل بموجبها(٢).
  وأما المرسلات التي نجدها في كتب المتأخرين من أصحابنا وغيرهم فإنا إذا فتشنا عن أسانيدها وجدنا المجروح فيها كثيراً(٣) إلا أن يقال بقبول خبر المجهول،
(قوله): «وجدنا المجروح فيها كثيراً» هذا قريب مما ذكره في حواشي الفصول عن السيد محمد بن إبراهيم حيث ذكر أن من أصحابنا من يروي حججنا وحجج الخصوم وما يصححونه وما يضعفونه بصفة واحدة، ولم يقتصروا على حذف أسانيد الثقات دون الضعفاء، قال: وينبغي كثرة انتقاد الحديث من غير غلو ولا تقصير فإنهما يمنعان الخير الكثير، أما التقصير فيمنع الخير، وهو رد الخبر الضعيف، وخيار الأمور أوساطها لا تفريطها ولا إفراطها.
(١) قال الملا ميرزاجان: ومختار ابن الحاجب أنه إن كان الراوي من أئمة نقل الحديث قبل، وإلا لم يقبل، واحتج له بأن إرسال الأئمة كان مشهوراً مقبولاً فيما بينهم لم ينكره أحد فكان إجماعاً، وبأنه لو لم يكن المروي عنه عدلاً لكان الجزم بالإسناد بروايته الموهم لأنه سمع من عدل تدليساً في الحديث، وهو بعيد من أئمة النقل، وإن لم يكن بعيداً ممن هو عدل من غيرهم لعدم معرفته بقوانين نقل الحديث. إلى أن قال: وظاهر أن الأئمة وإن كان الظاهر من حالهم أن تحصل لهم المعرفة المذكورة لكن حصول تلك المعرفة لا يختص بهم، بل كثيراً ما يتحقق في غيرهم، بل كثيراً ما يوجد من علم من عادتهم أنهم لا يروون إلا عن عدل، فالأصوب في تقرير المسألة أن يقال: إذا وقع الإرسال ممن عرف هذه المسألة - وهي أنه لا يجوز الجزم بالإسناد إذا لم يكن المروي عنه عدلاً - كان مقبولاً سواء كان من أئمة النقل أو من غيرهم، وإلا فلا. ثم قال: والأظهر أن يقال: إذا عرف المسألة أو علم من عادته أنه لا يرسل إلا إذا كان عنده عدلاً قبل، وإلا فلا. اهـ باختصار.
(٢) يوضحه أنه لم يمكنا من النظر فيما نجرحه به بذكر اسمه، فيجب أن يسقط عنا الحرج وأن نقضي بأنه ما قطع بالخبر عن رسول الله ÷ إلا وهو عنده عدل موثوق بروايته. (تحرير العنسي).
(٣) قال السيد العلامة المحدث الحافظ صارم الدين إبراهيم بن محمد الوزير في الفلك الدوار ما لفظه: البحث الأول في أسانيد العترة وأنه أصح الأسانيد، وهذا أمر لا امتراء فيه عند أهل المذهب، ومسنداتهم المتصلة هي التي تسمى سلسلة الذهب. قال مولانا عزالدين محمد بن إبراهيم ¦: رواية أئمتنا إذا تسلسل إسنادها بهم فهي أصح الأسانيد مطلقاً[١]، لكنه يقل وجودها على هذه الصفة، =
[١] قال الإمام الحجة مجدالدين بن محمد المؤيدي # في تعليقه على هذا الكلام: «قلت: وهذا التفات منه إلى مذهب أهل بيته الأطهار، بعد شدة جموح، وكثرة طموح، ولم يحقق النظر، حتى كرّ بالاستدراك ناقضاً لما قدم، وناكثاً لما أبرم، فقال: ولكنه يقلّ وجودها على هذه الصفة. (لوامع الأنوار ١/ ١٤٥/ ط ٤).