(الباب الأول في الأخبار)
  ثم إنه قد اشتهر واستفاض بالنقل الذي لا مراء فيه أنه ما زال الإرسال من الأئمة والتابعين كابن المسيب والشعبي وإبراهيم النخعي والحسن البصري وغيرهم ممن يطول ذكرهم وإيراد مراسيلهم، واشتهر قبوله من غير إنكار منكر فكان إجماعا(١).
  (قلنا:) ما ذكرتموه من الاحتجاج صحيح ولكنه (لا يفيد تعميماً) وشمولاً لكل من وقع عنه الإرسال كما هو المدعى؛ وذلك لأن من عددتموه من الصحابة ومن بعدهم من التابعين والأئمة لا يرسلون إلا عمن ارتضوه في دينه وضبطه، ألا ترى أنه اشتهر عن إبراهيم النخعي أنه قال: إذا حدثتكم عن رجل(٢) عن عبدالله فإنما سمعته منه فقط، وإذا قلت لكم: قال عبدالله فقد سمعته من جماعة عنه، فأخبر أنه لا يطلق القول عن عبدالله إلا إذا قوي له أنه قاله، ولهذا الوجه قال بعض الناس: إن المرسل أقوى من المسند.
  (على أن الظاهر(٣) الإسناد في الصحابة) فإذا قال صحابي: قال رسول الله ÷ فالظاهر المشافهة، ويدل على ذلك ذهابُ الجماهير من أئمة الحديث
(قوله): «وإيراد مراسيلهم» أي: ويطول إيراد مراسيلهم.
(قوله): «عن عبدالله» أي: ابن مسعود.
(قوله): «وإنما سمعته منه» أي: من الرجل.
(١) قال البلقيني في علوم الحديث: وذكر محمد بن جرير الطبري أن التابعين أجمعوا بأسرهم على قبول المراسيل، ولم يأت عنهم إنكاره ولا عن أحد من الأئمة بعدهم إلى رأس المائتين. قال ابن عبدالبر: كأن ابن جرير يعني أن الشافعي أول من أبى قبول المراسيل. (من تنقيح الأنظار).
(*) لا يقال: يلزم أن يكون تارك العمل بالمرسل خارقاً للإجماع، وهو باطل؛ لكون خارق الإجماع عاصياً؛ لأنا نقول: إن الإجماع إذا كان ظنياً أو استدلالياً لا يلزم خروج المخالف له عن العدالة. (من غاية الوصول تفسيراً لكلام المختصر للحلي).
(٢) معين. كذا في بعض النسخ.
(٣) يقال: لا يسمع هذا الظاهر؛ إذ لا يجدي في نفي الوقوع بعدما ثبت عن ابن عباس وأبي هريرة وغيرهما.