(الباب الأول في الأخبار)
  في كتاب الله تعالى فلا تسأل عنه أحداً، وما لم يتبين لك في كتاب الله فاتبع فيه السنة، وما لم يتبين لك في السنة فاجتهد فيه رأيك.
  وروي عن ابن مسعود ¥ أنه قال: من عرض له قضاء فليقض فيه بما في كتاب الله، فإن أتاه أمر ليس في كتاب الله فليقض فيه بما قضى رسول الله ÷، فإن أتاه أمر ليس في كتاب الله ولم يقض فيه رسول الله فليقض فيه بما قضى به الصالحون، فإن أتاه أمر ليس في كتاب الله ولم يقض فيه رسول الله ÷ ولم يقض فيه الصالحون فليجتهد رأيه، والآثار في هذا كثيرة تشهد بها كتب السير.
  ثم إنه شاع في الصحابة من غير تخصيص الرجوع عن الاجتهاد إلى الخبر والتصريح منهم بتقديم الخبر على القياس(١) وتكرر (من غير نكير) من أحد فكان إجماعاً.
  وعورض هذا الاستدلال بأنه رد بعض الصحابة الخبر بالقياس، فمن ذلك رد ابن عباس خبر أبي هريرة، وهو قوله ÷: «توضؤوا مما مست النار»، وقوله له: ألا نتوضأ بماء الحميم(٢)؟ فكيف نتوضأ بما عنه نتوضأ؟
  ورد هو أيضاً وعائشة خبر أبي هريرة: إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يدخل يده في الإناء حتى يغسلها فإنه لا يدري أين باتت يده منه، ويسمي قبل أن يدخلها،
(قوله): «بما قضى به الصالحون» لعل المراد بهم أهل الإجماع.
(قوله): «ثم إنه شاع ... إلخ» قال الدواري: المذكور في ذلك مسائل اجتهادية لا قياسية، إلا أن الحكم والخلاف واحد، فمن قدم الخبر على القياس قدمه على الاجتهاد، ومن قدم القياس على الخبر قدم الاجتهاد عليه.
(قوله): «وقوله له» عطف على رد بان عباس.
(١) ولم يعلم أن أحداً منهم رجع عن الأخذ بموجب الخبر لأجل قياس هدي إليه أو دل عليه. (تحرير العنسي). وذكر فيه معنى ما هاهنا من أن رد بعضهم الخبر لا لأجل القياس، بل لتهمة الراوي أو لأمر يرجع إلى متن الخبر بأن يعارضه ما هو أقوى منه.
(٢) من إضافة الموصوف إلى الصفة، وقيل: بل الحميم الحمام. والمهراس: حجر عظيم منقور يصبون فيه الماء للوضوء. اهـ وفي منتهى السؤل والأمل: وهو حجر منقور يدق فيه ويتوضأ منه.