(الباب الأول في الأخبار)
  فقالا: كيف نصنع(١) بالمهراس إذا كان فيه ماء ولم تدخل فيه اليد(٢)؟
  (و) الجواب: أن (رد بعضهم الخبر) كما ذكروه (لأمر يرجع إلى الراوي(٣)) لارتياب فيه، إما لعدم ضبط أو غيره، فقد صرح كثير من الصحابة بالارتياب في كثير من الأخبار، وقد أشرنا إلى طرف من ذلك فيما سبق، على أن الحديث الأول قد روي خلافه، فلعل ابن عباس علم أنه(٤) منسوخ.
  (و) احتج الأولون ثانياً بأنه لو لم يجب تقديم الخبر على القياس لما أقر النبي ÷ أحداً عليه، لكنه أقر عليه فكان واجباً، وذلك (لحديث معاذ(٥)) المتلقى بالقبول، وسيجيء إن شاء الله تعالى.
  (و) احتجوا ثالثاً بقوله: (لأنه) أي: خبر الواحد (أصل) للقياس ومستقل بنفسه في إفادة الحكم كنص الكتاب والسنة المقطوع بها (والقياس فرع) للخبر الآحادي كما هو فرع لنص الكتاب والسنة المتواترة غير مستقل بنفسه في إفادة حكم، فلو قدم القياس على الخبر لكان تقديماً للفرع على الأصل، وهو باطل.
(قوله): «ولم تدخل فيه اليد» يعني لنجاستها على مقتضى خبر أبي هريرة.
(١) قال القرشي في العقد: ليس في هذا أنه ترك الخبر، وإنما وصف عظم المشقة بالعمل عليه، وإن سلمنا أنه تركه لكن لا للقياس، بل لأنه لا يمكن الأخذ به من حيث لا يمكن قلب المهراس. وإن سلمنا أنه تركه للقياس لكن قول الواحد ليس بحجة، سيما وقد أنكر عليه أبو هريرة فقال: يا ابن أخي، إذا حدثتك عن رسول الله ÷ بحديث فلا تضرب له الأمثال.
(*) في غاية الوصول حكاية لقول ابن عباس: ألسنا نتوضأ بماء الحمام.
(٢) أي: ونحن ممنوعون من دخول اليد فيه.
(٣) في منتهى السؤل والأمل: وإذا ثبت أن رد خبر أبي هريرة لم يكن لكونه خبر الواحد بل كان لظهور فساده فلا تنتهض مخالفتهم نقضاً على ما ادعيناه من انعقاد الإجماع، فيثبت المطلوب.
(٤) قال القاضي عبدالله بن زيد العنسي في تحريره: إنما رد ابن عباس خبر أبي هريرة لأنه وجد الأخبار المتظاهرة مخالفة له، من حيث روى هو وغيره أن النبي ÷ أكل كتف شاة ولم يتوضأ وقام إلى الصلاة.
(٥) في تلخيص ابن حجر ما يدل على ضعفه، وقال: عن بعضهم أن إمام الحرمين قد سها فيه سهواً بليغاً، وقول إمام الحرمين: إنه صرح به في الصحاح غير صحيح، وفيه كلام كثير وقع عن بعضهم أنه لم يثبت إلا من طريقين فقط ضعيفتين أيضاً.