(الباب الأول في الأخبار)
  (و) احتجوا رابعاً بقوله: (لقلة مقدماته) أي: الخبر؛ لأنه مجتهد فيه في أمرين(١): عدالة(٢) الراوي ودلالة الخبر، والقياس مجتهد فيه في أمور ستة: حكم الأصل وتعليله في الجملة، وتعيين الوصف الذي به التعليل، ووجود ذلك الوصف في الفرع، ونفي المعارض في الأصل(٣)، ونفيه في الفرع، هذا إذا لم يكن الأصل خبراً آحادياً، وإلا وجب الاجتهاد في الأمور الستة مع الأمرين المذكورين في الخبر، فلو قدم القياس على الخبر لقدم الأضعف، وهو باطل إجماعاً، وذلك لأن ما يجتهد فيه في مواضع أكثر فاحتمال الخطأ فيه أقوى، والظن الحاصل به أضعف.
  وعورض بأن الاحتمال في القياس أقل فكان أولى؛ وذلك لأن الخبر يحتمل باعتبار العدالة كذب الراوي وفسقه وكفره وخطأه، وباعتبار الدلالة التجوز والإضمار والاشتراك والتخصيص، وباعتبار حكمه النسخ، والقياس لا يحتمل شيئاً من ذلك.
  (و) أجيب بأن (الاحتمالات باعتبار العدالة والدلالة والحكم بعيدة) جداً فلا تمنع الظهور، على أن قولهم: والقياس لا يحتمل شيئاً من ذلك مبني على ما سيجي من أن القياس لا يُنْسَخ ولا يُنْسَخ به، وفيه خلاف وتفصيل ستعرفه إن شاء الله تعالى.
  وأيضاً فيأتي مثله في القياس إذا كان أصله خبراً آحادياً، ومالك لا يفصل فيقدم القياس مطلقاً، وأبو الحسين وابن الحاجب يقدمان القياس إذا ثبتت علته بنص قاطع أو راجح على الخبر وإن كان حكم أصله ظنياً ثابتاً بخبر آحادي، هذا ما تمسك به القائلون بتقديم الخبر على القياس على الإطلاق وما يرد عليه.
(قوله): «بنص قاطع» عند أبي الحسين، أو راجح عند ابن الحاجب.
(١) يقال: إن كان الراوي واحداً فالمجتهد فيه أمران، وإن كان أكثر فهو أكثر؛ إذ يحتاج كل واحد إلى تجشم نظر زائد على ما يحتاج إليه الأول قطعاً، وكون العدالة نوعاً مما يجتهد فيه لا يفيد.
(٢) في المطبوع: في عدالة.
(٣) عبارة مختصر المنتهى: ونفي المعارض فيهما أعني الأصل والفرع. والمراد بالمعارض هنا المنافي فلا يناقض قوله في كتاب القياس: ولا يشترط نفي المعارض في الأصل والفرع؛ إذ مراده بالمعارض ثمة وصف صالح للعلية لا ينافي الوصف المدعى علة كما سأحرره عند الانتهاء إليه إن شاء الله تعالى. (سبكي).