هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

[فصل: في الأوامر]

صفحة 421 - الجزء 2

  وقوله: «استعلاء» يخرج الالتماس والدعاء فإنهما لا يسميان أمراً؛ لأن من قال لغيره: افعل على سبيل التضرع إليه والتذلل أو الالتماس لا يسمى آمراً له وإن كان أعلى رتبة من المخاطب، ومن قال لغيره: افعل على سبيل الاستعلاء عليه يسمى آمراً له وإن كان أدنى رتبة منه؛ ولهذا يصفون⁣(⁣١) من هذه سبيله بالجهل والحمق من حيث أمر⁣(⁣٢) من هو أعلى رتبة منه؛ فبطل⁣(⁣٣) اشتراط العلو كما هو رأي جمهور المعتزلة وغيرهم، واشتراطه مع الاستعلاء كما هو رأي بعضهم، وعدم اشتراطهما كما هو رأي الأشعري وأكثر أتباعه.

  واحتجاجهم على عدم اعتبار الاستعلاء⁣(⁣٤) بقوله تعالى حكاية عن فرعون: {فَمَاذَا تَأْمُرُونَ ٣٥}⁣[الشعراء] مدفوع بأنه مجاز؛ للقطع بأن الطلب على سبيل التضرع


(قوله): «ماذا تأمرون» تقرير الاستدلال أنه أطلق الأمر على ما يقولونه وقت المشاورة، ومن المعلوم انتفاء الاستعلاء؛ لوقوعه حال المشاورة، ولاعتقادهم الإلهية في فرعون لعنه الله. وتقرير الجواب: أنه نزلهم منزلة من هو أعلى منه رتبة، ونزل نفسه منزلة المتذلل المستعلى عليه فخاطبهم بما يخاطب به المستعلي كما يقول من أظهر لغيره امتثال أمره وإن لم يكن ذلك الغير مستعلياً عليه: مرني بما شئت فإني ممتثل، فقوله: «تأمرون» مجاز عن تريدون، من قبيل التجوز بالمسبب عن السبب، ذكره الشيخ العلامة في شرح الفصول.


(١) قال صاحب جواهر التحقيق ما لفظه: والتحقيق أن قوله - أي العضد -: لذمهم الأدنى بأمر الأعلى تعليل اشتراط الاستعلاء وتعليل عدم اشتراط العلو، أما أنه تعليل عدم اشتراط العلو فلأن العقلاء يذمون الأدنى بسبب أنه أمر الأعلى، فلو كان العلو شرطاً لما كان هذا أمراً عندهم؛ لوجوب استلزام انتفاء الشرط انتفاء المشروط، لكنه أمر عندهم قطعاً، فعلم أن العلو ليس بشرط في الأمر. وأما أنه تعليل اشترط الاستعلاء فلأن أمر الأدنى للأعلى لو لم يكن فيه الاستعلاء لما استحق الذم لكنه استحق الذم، فعلم أن الاستعلاء شرط في الأمر.

(٢) في المطبوع: من حيث إنه أمر.

(٣) حاصله أن العلو هيئة في المتكلم، والاستعلاء هيئة في الكلام. (أسنوي).

(٤) في شرح الفصول ما لفظه: احتج الأشعريون بقوله تعالى حكاية عن فرعون لقومه: «ماذا تأمرون»، فأطلق الأمر على ما يقولونه عند المشاورة، ومن المعلوم انتفاء العلو والاستعلاء فيه، أما العلو فواضح، وأما الاستعلاء فلوقوعه في حال المشاورة، ولاعتقادهم الإلهية في فرعون. قلنا: هذا يدل على أن الأمر في تلك اللغة لا يشترط فيه علو ولا استعلاء، أما في لغة العرب فلو سلمنا فهو مستشير لهم لا مستأمر، والتسمية مجاز من حيث كان المشير يأتي بصيغة «افعل»، ومثله قوله:

أمرتهم أمراً بمنعرج اللوى ... فلم يستبينوا النصح إلا ضحى الغد

أي: أشرت عليهم برأيي فلم يعلموا إصابته إلا ضحى الغد.