[الباب الثاني: في الأوامر والنواهي]
= أمر السيد لعبده بحضرة السلطان يجوز تخلفها في سائر الأوامر، ولزوم الصيغة للإرادة كما ذكره في شرح قوله: والحق أن الوضع كاف فيه مع ما عرفت من عدم اللزوم الذي هو شأن المميز أنها تابعة للصيغة، وكلامنا فيما يميز الصيغة، فيتوقف كل على الآخر ويدور، والوضع مع أنه خفي لا يصلح مميزاً إلا عند من يقول: إن صيغة الأمر مجاز فيما عدا الطلب، وفيه الخلاف الآتي. والمميز يكون عاماً لا يختلف فيه، وإلا فليس بمميز حقيقي، ولو كفى المميز عند من يقول به، سلمنا النزاع فلم يبق مميز سوى القرينة، وقد أشار إليه المولى المؤلف في شرح قوله: والحق أن الوضع كاف. ومما يدل على أن المراد بالغير ما ذكر كلام الإمام يحيى في الحاوي، ولفظه: البحث الثالث في الأمر لماذا يكون أمراً، واعلم أن صيغة قولنا: «افعل» قد تقع من فاعلها ولا تكون أمراً؛ بأن تصدر من نائم أو ساه أو على جهة التهديد، وقد تقع على خلاف هذه الوجوه فتكون أمراً، فلا بد من أمر يؤثر في كونها أمراً، إلى آخر كلامه. وكرر المؤلف الكلام مع الأمر والتهديد من دون سائر أنحاء الكلام فانظر. وفي كلام المولى في شرح قوله: ولا اختصاص فلا تمييز مغالطة يدركها المتأمل تبع فيها الإمام المهدي، ويستفاد رد شيء منها بما في شرح قوله: والحق أن الوضع كاف فتأمل، هذا كله جرى منا على ظاهر عبارة الغاية وشرحها. وقد انكشف لك بما حررناه الاختلاط وعدم جدوى التطويل في مثل هذه المباحث، ولعله لو صادفت هذه المسألة من المولى الحسين فراغاً وتأملاً لضرب عنها صفحاً أو لأوسع ما فيها من التخليطات كشفاً، وأما غيره فعبروا في صدر المسألة بلم كان الأمر أمراً كما سمعت عن الحاوي.
وفي الفصول ما لفظه: واختلف في الأمر لماذا كان أمراً ... إلخ، وفي غيره مثله، وهو الصواب في تحرير محل النزاع، وتقريره على ما يفهم من كلام الإمام يحيى # في الحاوي أن قولك: اضرب مثلاً ترد أمراً وتهديداً ونحوهما؛ فما الذي صيرها في الأمر أمراً وأثر فيها معنى الطلب؟ وأما الأمر والخبر وكذلك التهديد ونحوه فكل واحد متميز عن الآخر بحكم وصفة، ولا كلام في ذلك، وإنما ما هو المؤثر الأمرية في الأمر؟ فقيل: الإرادة على الخلاف الذي نقله المولى الحسين عن معيار الإمام يحيى فارجع إليه، والحق في مثل هذا هو مذهب الإمام يحيى ومن معه أن الأمر إنما كان أمراً للصيغة مع إرادة المأمور به، وذلك أن الإنسان يجد من نفسه أولاً أنه يريد وقوع شيء ثم يعبر عن إرادته بلفظ موضوع لطلب ما أراده، فإذا وردت تلك الصيغة فهمت الإرادة السابقة على الصيغة المؤثرة للأمر. وأما لم كانت صيغة الطلب كذا وصيغة الخبر كذا ولم كان الأمر على العكس فهذا أمر لا تدركه عقولنا، فهذا ما لا يعقل الإنسان سواه، وأما المؤثر في إيجاد الصيغة فهي القادرية كما قاله الإمام المهدي #، وهذا أمر غير راجع إلى تميز أنحاء الكلام بعضها عن بعض، بل إلى المؤثر. وأما التميز فلا كلام فيه، وإن خلط الجلال الأمرين في شرح الفصول فلا تغتر، وأما إثبات الصفة والحال للأمر وعدمها على هذا التقرير الذي ذكرته فلم يظهر لي سوى أنه زيادة أمر لفظي لا ثمرة تحته ولا معنى يخالف من لم يثبته سوى ذلك، وبهذا التطويل ينكشف لك جلية الحال وعدم تحقيق المقال في هذا المجال، وأن المسألة قليلة الفائدة لا تعود عند إعمال الأدلة على محققها بعائدة، فهي كما قيل من مسائل الفضول لا من مسائل الأصول، وإنما خضنا فيها كشفاً للحقيقة. هذا ما ظهر للذهن القاصر فإن كان خطأ فلتوغل قائله في القصور، وفوق كل ذي علم عليم. (عن خط العلامة محمد بن عبدالملك |).