[الباب الثاني: في الأوامر والنواهي]
  المطلوب؛ إذ لو لم يرد المطلوب لم تؤثر القادرية في إيقاعه على صفة الطلبية، فلما كانت الإرادة هي التي تصرف تأثير القادرية إلى وجه دون وجه وصفناها بأنها هي المؤثرة في إيقاع الفعل على وجوه مختلفة وإن كان التأثير في الإيقاع إنما هو للقادرية في التحقيق(١).
  هذا كلام أصحابنا في هذا المقام، ولا يخفى على المنصف ما فيه من التعسف والتكلف (والحق أن الوضع كاف) في تمييز الأمر عن غيره كما في سائر الموضوعات فإن من علم بوضع لفظ إذا ورد عليه ذلك اللفظ من حكيم علم أنه مراد به معناه الحقيقي إلا أن يصرف عنه صارف من القرائن، وإن كان مشتركاً فالتمييز للقرائن لا لما ذكروه من الأفعال القلبية التي غالبها الخفاء، وهذا قول الرازي، وحمل عليه قول الكعبي(٢) إلا أنه قال: لا يحتاج مع ذلك إلى إرادة(٣) بناء
(قوله): «من التعسف والتكلف» لعل وجه التعسف جعلهم الإرادة هي المميزة وهي من الأفعال القلبية التي غالبها الخفاء كما أشار إليه المؤلف # فيما يأتي، لكن جعل المميز هو الإرادة إنما هو كلام بعض أصحابنا لا كلهم؛ لما عرفت من أن بعضهم جعل المميز كونه أمراً لا الإرادة، إلا أن يقال: إذا كان المؤثر في كونه أمراً هي إرادة المأمور به كان لها دخل في التمييز. ووجه التكلف الاحتياج إلى ما ذكره الإمام المهدي # من التأويل المشار إليه بقوله: والتحقيق ... إلخ.
(قوله): «من القرائن» كأن تصرفه القرينة من الحقيقة إلى المجاز.
(قوله): «إلا أنه قال لا يحتاج مع ذلك» أي: مع كفاية الوضع في التمييز «إلى إرادة» لم يذكر هذا الاستثناء في القسطاس، وهو الأولى؛ لأن الكعبي لم يذكر الإرادة على ما نقل عنه المؤلف # حتى يحتاج إلى هذا الاستثناء، =
(١) إلى هنا كلام الإمام المهدي في المعيار.
(٢) ضبط حمل بالبناء للفاعل في نسخة بعض العلماء وصححه. اهـ وقوله: إلا أنه قال يعني الرازي.
(*) قال في المحصول ما لفظه: دلالة الصيغة على ماهية الطلب يكفي في تحققها الوضع من غير حاجة إلى إرادة أخرى، وهو قول الكعبي، وقال أبو علي وأبو هاشم: لا بد مع ذلك الوضع من إرادة أخرى. لنا وجهان: أحدهما: أن هذه الصيغة لفظة وضعت لمعنى فلا تفتقر في إفادتها لما هي موضوعة له إلى الإرادة كسائر الألفاظ، مثل دلالة السبع والحمار على البهيمة المخصوصة فإنه لا حاجة فيهما إلى الإرادة. وثانيهما: أن الطلب النفساني أمر باطن فلا بد من الاستدلال عليه بأمر ظاهر، والإرادة أمر باطن مفتقر إلى المعرفة كافتقار الطلب إليه، فلو توقفت دلالة الصيغة على الطلب على تلك الإرادة لما أمكن الاستدلال بالصيغة على ذلك الطلب البتة.
(٣) أي: إرادة كونه أمراً كما هو مذهب الرازي. (عن خط السيد عبدالقادر بن أحمد).