[الباب الثاني: في الأوامر والنواهي]
  (و) السادس: (الامتنان) وسماه بعضهم الإنعام(١)، كقوله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ}[النحل: ١١٤]، والفرق بينه(٢) وبين الإباحة أنها الإذن المجرد والامتنان لا بد فيه معه من اقتران حاجة الخلق لذلك الذي وقع به الامتنان والإنعام أو عدم قدرتهم(٣) عليه أو نحو ذلك، كالتعرض(٤) في هذه الآية إلى أن الله تعالى هو الذي رزقه، والعلاقة فيه كما في الإباحة.
  (و) السابع: (الإكرام) كقوله تعالى: {ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ ٤٦}[الحجر]، فإن قرينة «بسلام آمنين» تدل عليه؛ لأن دخول الجنة مع السلامة من جميع آفات الآخرة والأمان منها غاية في الإكرام، والعلاقة فيه كما في الإباحة.
  (و) الثامن: (التسخير) كقوله تعالى: {كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ ٦٥}[البقرة]، والمراد به الذلة والامتهان(٥)، فيظهر الفرق بينه وبين التكوين الآتي؛ لأن التكوين سرعة
(قوله): «أو عدم قدرتهم عليه» أي: على ما وقع به الامتنان، وهو الأكل من المرزوق، وإنما كان الأكل غير مقدور لتوقفه على ما ليس بمقدور، وهو المرزوق؛ فإنه محتاج إلى الإيجاد والخلق.
(قوله): «والمراد به الذلة» في شرح الجمع: والمراد به التذليل، وهو أنسب بالتسخير، وكأن المؤلف # عدل عن ذلك ليظهر المراد من الآية.
(١) يعني تذكير النعمة. (محلي). قال ابن أبي شريف: تفسير للأنعام بمعنى مجازي له؛ إذ حقيقة الأنعام ابتداء النعمة للمنعم عليه، لكن هذا المعنى المجازي هو مراد من عد الأنعام من معاني صيغة «افعل».
(٢) وفرق بعضهم بأن الإباحة تكون في الشيء الذي سيوجد، بخلاف الامتنان. (أسنوي).
(٣) وفي شرح أبي زرعة على الجمع ما لفظه: والفرق بينه وبين الإباحة أن الإباحة مجرد إذن، وأنه لا بد من اقتران الامتنان بذكر احتياج الخلق إليه وعدم قدرتهم عليه، والإباحة قد يتقدمها الحظر مثل: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا}[المائدة: ٢]، قلت: الظاهر أن الامتنان نوع من الإباحة.
(٤) وفي نسخة: التعريض، وهي عبارة الأسنوي.
(٥) وعبارة المطول والأطول تشعر بأن فيه الانتقال من صورة الإنسان إلى صورة القرد. (عن خط السيد العلامة عبدالقادر بن أحمد).
(*) إشارة إلى ما اعترض به القرافي من أن اللائق تسميته سخرية بكسر السين لا تسخيراً؛ فإن التسخير النعمة والإكرام، قال الله تعالى: {سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ}[لقمان: ٢٠]، {فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ}[ص: ٣٦]، والسخرية الهزوء، قال الله تعالى: {لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا}[الزخرف: ٣٢]، قلت: التسخير النقل إلى حالة ممتهنة، وليس في السخرية انتقال أصلاً. (من شرح جمع الجوامع لأبي زرعة). قال الزركشي في شرحه ما لفظه: توهم القرافي أن المراد به الاستهزاء، فقال: اللائق ... إلخ، وفي حاشية: وتقرير الجواب أن التسخير يستعمل بمعنى التذليل والامتهان، ومنه قوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا}[الزخرف: ١٣]، أي: ذَلَّلَهُ لنركبه، وقولك: فلان سخره السلطان، أي: امتهنه باستعماله بغير أجرة، وفي الصحاح والقاموس سخره تسخيراً ذلله، وهذا المعنى هو المراد هنا لا الاستهزاء. (ابن أبي شريف).