[الباب الثاني: في الأوامر والنواهي]
  مخالفه بالأمر من حيث إنه لا يقتضي الوجوب، وإنما كانوا يفزعون عند الاختلاف والتنازع إلى التأويل.
  ويرد(١) عليه من الأسئلة والجواب كما تقدم في الأخبار، واعترض أيضاً(٢) بأن هذا الدليل إنما يفيد الظن بأن الأمر للوجوب، وذلك لا يكفي في الأصول.
  وأجيب بالمنع، بل هو قطعي، ولو سلم فإنه يكفي الظهورُ في مدلولات الألفاظ ونقلُ الآحاد، وإلا تعذر العمل في أكثر الظواهر؛ إذ المقدور فيها إنما هو تحصيل الظن.
(قوله): «ويرد عليه من الأسئلة» أي: يرد عليه مثل ما تقدم من الاعتراض بأن يقال: لا نسلم أن الاستدلال كان بهذه الأوامر؛ إذ لعله بغيرها، وأيضاً قد جعلوا كثيراً من الأوامر دليلاً على الندب دون الوجوب، وأيضاً لعلها أوامر مخصوصة علموا كونها للوجوب. وأما الجواب فهو أنا نعلم قطعاً أن الاستدلال كان بها لظهورها في الوجوب لا لخصوصيتها، وإنما ترك الوجوب عند ظهور قرائن عدم الوجوب.
(قوله): «وأجيب بالمنع بل هو» أي: الإجماع «قطعي» لأنه شاع وذاع وتكرر كما عرفت ونقل تواتراً.
(قوله): «ولو سلم» أنه ظني لعدم ما ذكرناه فيه أو بعضه. واعلم أن ظاهر قوله: بل هو قطعي أن الإجماع إذا كان قطعياً ثبت كون الأمر للوجوب قطعاً، مع أن الإجماع إنما دل على أنه ظاهر في الوجوب؛ لقول المؤلف # فيما سبق: فكان إجماعاً منهم على أنه ظاهر في الوجوب، ولقوله: بظواهر أمر الله ... إلخ. ووجه عدم دلالة الإجماع على كون الأمر للوجوب قطعاً أن السلف لم يصنوا على أنه موضوع للوجوب، بل إنما أخذ ذلك من موارد استعمالاتهم؛ ولذا قالوا: إن الظن يكفي في مدلولات الألفاظ لعدم هذا النص فيها، فلو كان الاعتراض هكذا: فالدليل إنما يفيد الظن، ولو أفاد القطع فإنما يدل على أن الأمر ظاهر في الوجوب - لاستقام قول المؤلف #: وأجيب بالمنع الخ.
(١) في القسطاس ما لفظه: لا يقال: لعل الاستدلال على الوجوب كان بغيرها، وأيضاً فلعلها أوامر مخصوصة علموا كونها للوجوب، وأيضاً فقد جعلوا كثيراً من الأوامر دليلاً على الندب دون الوجوب، فلا يكون ذلك مؤدياً بالمطلوب - لأنا نقول: إنا نعلم قطعاً أن الاستدلال كان بها لظهورها في الوجوب لا لخصوصياتها، وإنما يذكر الندب عند ظهور قرائن عدم الوجوب.
(٢) هذه العبارة نحو ما في العضد، وهي عبارة خفية، وحاصل ما يمكن بيانها به أن يقال: واعترض أيضاً بأن هذا الدليل مع تسليم كونه قطعياً فإنه إنما يفيد الظن بأن الأمر للوجوب بإقراركم آنفاً أن الأمر ظاهر في الوجوب، والظهور ظن، وذلك لا يكفي في الأصول. وأجيب بمنع أنه إنما يفيد الظن، بل هو قطعي يفيد القطع، ولو سلم أنه إنما يفيد الظن بأن الأمر يفيد الوجوب ظاهراً لم يضرنا ذلك؛ فإنه يكفي الظهور والظن في مدلولات الألفاظ ... إلخ، بخلاف ذات الباري وصفاته، ولسيلان هنا كلام فيه ما فيه. (عن خط السيد العلامة عبدالقادر بن أحمد).