[الباب الثاني: في الأوامر والنواهي]
  لا يقال: من العلماء من عرَّف هذا العلم بأنه علم بالقواعد التي يتوصل بها إلى استنباط الأحكام، وتسليم كون الأمر يفيد الوجوب ظنياً ينفي العلم بأنه للوجوب؛ لأنا نقول: القاعدة هي كون الأمر يفيد الوجوب ظاهراً، وهذه القاعدة معلومة بالدليل لا ريب فيها حتى لو لم يحصل للناظر علم بها وجزم لم يمكنه الاستدلال بأن الأمر ظاهره الوجوب؛ إذ لا معنى لاستدلاله على وجوب شيء بورود أمر يُظن أن ظاهره الوجوب.
  (و) منه (قوله تعالى) لإبليس: ({مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ}[الأعراف: ١٢]) والمراد من الأمر(١) قوله: «اسجدوا».
  وجه الاستدلال: أنه ورد في معرض الذم بالمخالفة لا في معرض الاستفهام(٢) اتفاقاً، وهو دليل(٣) الوجوب.
  ومنه قوله تعالى: ({وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ ٤٨}[المرسلات]) ذمهم على مخالفة الأمر إذ لو لم يكن للوجوب لما حسن هذا الكلام.
(قوله): «لا يقال من العلماء، الخ» هذا السؤال وجوابه اعتمده الشيخ | في شرح الفصول.
(قوله): «المراد من الأمر قوله تعالى: اسجدوا» دفع لما عسى يتوهم من أن الكلام في صيغة الأمر، وما ذكر إنما يقوم في أ م ر، وإشارة إلى أن ليس مبنى الاستدلال على كون أمرتك عاماً كما توهمه الآمدي، كذا في حواشي المختصر.
(قوله): «ذمهم على مخالفة الأمر» يعني ليس الغرض من قوله: «لا يركعون» الإخبار بذلك، بل الذم، وقد رتبه على مجرد مخالفة الأمر المطلق، لا على عدم اعتقادهم حقيقته، ولا على مجرد مخالفة أمر مقرون بقرائن الوجوب، فدل على أن مطلق الأمر للوجوب[١]، =
(١) زعم الآمدي أن مبنى الاستدلال كون أمرتك عاماً في كل أمر مع أنه غير عام فيه حتى يشمل صيغة «افعل»، فلا يتم المدعى، فأشار إلى دفعه بأن المراد خصوص صيغة «افعل»، فيتم المدعى. (علوي).
(٢) فإنه لا عذر له في الإخلال بالسجود بعد ورود الأمر به، وهذا هو المفهوم من قول السيد لعبده: ما منعك من دخول الدار إذ أمرتك إذا لم يكن مستفهماً، ولو لم يكن الأمر دالاً على الوجوب لما ذمه الله تعالى على الترك، ولكان لإبليس أن يقول: إنك ما ألزمتني السجود. فإن قلت: لعل الأمر في تلك اللغة كان يفيد الوجوب، فلم قلتم: إنه في هذه اللغة يفيد الوجوب؟ قلنا: الظاهر يقتضي ترتيب الذم على مخالفة الأمر، فتخصيصه بأمر خاص خلاف الظاهر. (من محصول الرازي).
(٣) ولولا أن صيغة «اسجدوا» للوجوب لما كان متوجهاً، وكان له أن يقول: إنك ما ألزمتني فعلام اللوم والإنكار. (عضد).
[١] في حاشية السعد: فدل على أن الأمر المطلق للوجوب.