هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

[الباب الثاني: في الأوامر والنواهي]

صفحة 460 - الجزء 2

  ومنه قوله تعالى: ({أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي ٩٣}⁣(⁣١) [طه]) أي: تركت مقتضاه فثبت أن تارك الأمر عاص وكل عاص متوعَّد لقوله تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ}⁣[الجن: ٢٣]، وذلك دليل الوجوب.

  ومنه قوله تعالى: ({فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ}⁣[النور: ٦٣]) هدد⁣(⁣٢) على


= فحصل من العلم بالذم⁣[⁣١] العلم بالوجوب؛ بناء على أنه نفس الوجوب أو لازم له، وهو لا ينافي توقف الذم على الوجوب نفسه، وبهذا يندفع ما يقال: إن الوجوب مستفاد من قرينة الذم لا من مطلق الصيغة؛ إذ لو لم يكن المطلق للوجوب لما صح توقف الذم عليه، كذا في حواشي شرح المختصر.

(قوله): «فليحذر الذين يخالفون عن أمره» تقرير الاستدلال أن قوله فليحذر الذين للإيجاب⁣[⁣٢]؛ إذ لا معنى لندب الحذر عن العذاب أو إباحته، ومعنى يخالفون عن أمره يتركون امتثاله، من قولهم: خالفني فلان عن كذا على تضمين المخالفة معنى الإعراض، وإذا وجب الحذر من العذاب على مخالفة الأمر كان تهديداً على مخالفة الأمر، وهو دليل على كون الأمر للوجوب؛ إذ لا يهدد على ترك غير الواجب. وقد يعترض بأن الكلام في صيغة الأمر، وما ذكره في هذين الوجهين من ترتب الوعيد والتهديد على مخالفة الأمر إنما يدل على كون لفظ الأمر حقيقة فيما يفيد الوجوب، ولا يلزم من ذلك كون صيغة الأمر مفيدة للوجوب. وقد يقال: المراد بالأمر نحو جاهدوا كما تقدم نظيره حيث قلنا: دفع لما عسى ... إلخ، ذكره في حواشي شرح المختصر.


(١) لم يرتض هذا الدليل ابن الهمام في التحرير، ففيه وفي شرحه التيسير ما لفظه: (وأما) الاستدلال على الوجوب كما ذكره ابن الحاجب وغيره بما اشتهر على ألسنة العلماء، وهو (تارك الأمر عاص) مأخوذاً من قوله تعالى حكاية عن خطاب موسى لهارون @: {أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي ٩٣}⁣[طه]، بتركه مقتضاه (وهو) أي: العاصي مطلقاً متوعد لقوله تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ}⁣[الجن: ٢٣]، (فيمتنع كونه) أي: العاصي (تارك) الأمر (المجرد) عن القرائن المفيدة للوجوب (بل) العاصي (تارك ما) هو مقرون من الأوامر (بقرينة الوجوب)، وإضافة «أمري» عهدية أشير بها إلى أمر كذا، (فإذا استدل) لعصيان تارك الأمر المجرد (بـ «أفعصيت أمري» أي: اخلفني) تفسير لقوله: أمري، إشارة إلى قوله تعالى: {وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي}⁣[الأعراف: ١٤٢]، (منعنا تجرده) أي: تجرد هذا الأمر عن القرينة المفيدة للوجوب، فإن في السياق ما يفيد ذلك.

(٢) قال الرازي في المحصول: أمر مخالف هذا الأمر بالحذر عن العذاب، والأمر بالحذر عن العذاب إنما يكون بعد قيام المقتضي لنزول العذاب، فدل على أن مخالف أمر الله وأمر رسوله قد وجد في حقه ما يقتضي نزول العذاب به.


[١] جعل السعد هذا رداً على ما قيل: الذم على ترك الشيء يدل على وجوبه، والذم إنما يكون بعد الوجوب، فيكون دوراً؛ وذلك أن العلم بالوجوب يتوقف على العلم بالذم لا نفس الوجوب على نفس الذم المتوقف على الوجوب، فلا يلزم الدور. (علوي).

[٢] هذا غير مقصود في الاستدلال؛ إذ المقصود إثبات دلالة مطلق الصيغة على الوجوب؛ فلذا اقتصر المؤلف على الآخر. (حسن بن يحيى الكبسي).