هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

[الباب الثاني: في الأوامر والنواهي]

صفحة 461 - الجزء 2

  مخالفة أمره، والتهديد دليل الوجوب.

  احتج أهل المذهب الثاني⁣(⁣١) وهم القائلون بأن صيغة الأمر حقيقة في (الندب) بوجوه منها أنه (لا فرق بين قول المولى لعبده اسقني وأريد أن تسقيني) وذلك لأن أهل اللغة يفهمون من أحدهما ما يفهمونه من الآخر ويستعملون كلاً منهما مكان صاحبه ولا شك أن قولك أريد منك لا يفهم منه إلا الإرادة دون كراهة الضد ودون الإيجاب فيجب مثله في صيغة «افعل».

  (قلنا:) إن أردتم بعدم الفرق بينهما اتحاد معناهما بحيث يصيران لفظين مترادفين فهو غير مسلم فإن (الخبر يفارق الإنشاء) في المعنى قطعاً.

  بيان ذلك: أن قولك: «اسقني» يفيد طلب الفعل لا محالة ويفيد الإرادة من حيث كان المتكلم بهذا الكلام باعثاً على الفعل ولا يجوز أن يبعث إلا على ماله فيه غرض ولو عزلنا هذا عن أنفسنا لم نعلم أنه مريد للفعل وليس كذلك قولك: اريد أن تسقيني لأن ذلك صريح في الأخبار عن كونك مريداً وليس بصريح في استدعاء


(قوله): «دون كراهة الضد» إن أريد كراهة الضد تنزيهاً لم يصح نفيه عن الندب؛ إذ من لازم الندب كراهة ضد المندوب، وإن أريد كراهته حظراً فقوله: دون الإيجاب مغن عنه، ولعله يقال: المراد المعنى الثاني، ويكون المراد بكراهة الضد معنى الوجوب، فكأنه قال: دون الوجوب ودون الإيجاب، فلا إغناء؛ إذ المراد بالإيجاب الطلب حتماً، ويؤيد هذا أنه جمع بينهما في يأتي حيث قال: لا يقتضي إيجاب الفعل على المسؤول ولا كراهة ضد ما سأله.

(قوله): «فإن الخبر يفارق الإنشاء في المعنى» ولأنه لو كان معناه الإخبار بأنه يريد منه الفعل لاحتمل التصديق والتكذيب، والإجماع من علماء الأدب منعقد على أن الأمر لا يحتمل ذلك، ذكره في المنهاج.

(قوله): «من حيث كان المتكلم ... إلخ» هذا قيد لإفادته الإرادة، يعني أن إفادته للإرادة من هذه الحيثية لا أن قولك: اسقني ماء موضوع لذلك، بخلاف أريد منك أن تسقيني.

(قوله): «باعثاً» أي: باعثاً للمأمور.

(قوله): «إلا على ما» أي: على شيء «له» أي: للمتكلم «فيه» أي: في الشيء «غرض».

(قوله): «ولو عزلنا هذا» أي: قيد الحيثية المذكورة.

(قوله): «لأن ذلك» الإشارة إلى أريد أن تسقيني، وكان الأولى الضمير أو ما هو للقريب؛ لقرب المشار إليه، ولعل وجه الإتيان بما للبعيد لأن الإشارة إلى اللفظ، وقد تقضى، فكان في حكم البعيد.


(١) صوابه الثالث؛ لأنه قد استدل للأول والثاني. (عن خط السيد العلامة عبدالقادر بن أحمد). ولعل ابن الإمام | نظر إلى اتحاد القولين في القول بالوجوب وإن اختلفا في كونه لغة وشرعاً ... إلخ.