هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

[الباب الثاني: في الأوامر والنواهي]

صفحة 462 - الجزء 2

  الفعل فضلاً عن أن يكون مستدعياً له لا محالة.

  وإن أردتم أنه وضع لشيء آخر والإرادة تفهم تبعاً له فهو مطلوبنا لإقراركم بأن قولنا: «افعل» موضوع لشيء سوى الإرادة، فمن أين لكم إن ذلك المعنى هو الندب حتى يتم لكم الدليل؟

  ومنها: ما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله ÷ يقول: «ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم، فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم».

  وجه الاحتجاج أنه رده إلى مشيئتنا، وهو معنى الندب.

  والجواب: لا نسلم أنه رده إلى مشيئتنا، بل إلى استطاعتنا⁣(⁣١)، وهو معنى الوجوب⁣(⁣٢).

  ومنها وهو لأبي هاشم: أن أهل اللغة قالوا: إن قول القائل لغيره «افعل» يكون أمراً إذا كان فوق المأمور⁣(⁣٣) في الرتبة وسؤالاً إذا كان دونه في الرتبة⁣(⁣٤)، فلم يفرقوا بينهما إلا بالرتبة، ومعلوم أن السؤال لا يقتضي إيجاب الفعل على المسؤول ولا كراهة


(قوله): «فضلا عن أن يكون ... إلخ» إنما أورد هذه العبارة المشعرة باستبعاد ما دخله النفي وكونه أدنى، وتنزيل ما دخلته عن منزله المحال وكونه أعلى كما حققوا ذلك في حواشي الكشاف - لأن استدعاء قولك: أريد أن تسقيني للفعل لا محالة أعلى من كون قولك: أريد أن تسقني صريحاً في استدعاء الفعل فتأمل.

(قوله): «وإن أردتم» عطف على قوله سابقاً: أردتم.

(قوله): «لشيء آخر» يعني غير معنى أريد أن تسقيني.

(قوله): «والإرادة تفهم تبعاً» يعني لا لأن اللفظ موضوع لها صريحاً، بل إنما فهمت تبعاً لتلك الحيثية.

(قوله): «فلم يفرقوا بينهما» أي: بين الأمر والسؤال.

(قوله): «إلا بالرتبة» فلم يفرقوا بينهما إلا بشيء خارج عن معناها، وهو الرتبة مع اتحاد معناهما، وهذا مبني على أن أمر الندب لا استعلاء فيه وإلا كان الفرق به.


(١) وما لم نستطعه فلا تكليف علينا فيه. (منهاج). ولو رده إلى مشيئتنا لقال: ما شئتم.

(٢) الأولى أنه لا ينافي الوجوب، وأما أنه معنى الوجوب فلا يخفى منعه، وقد صرح به الجلال في شرح المختصر.

(٣) وجد في بعض النسخ لفظ به، ولا وجه له، وقد ضرب عليه في بعضها، وهو الصواب، ولعله من سبق القلم.

(٤) والسؤال إنما يدل على الندب. (أسنوي).