هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

[الباب الثاني: في الأوامر والنواهي]

صفحة 464 - الجزء 2

  لأنه يقال: قد يترتب الوجوب على إيجاب السؤال كسؤال العطشان، وقد لا يترتب على إيجاب الأمر كأمر السيد عبده بما لا يقدر عليه، فاستويا في الإيجاب والوجوب.

  ومنها: أن الأمر يفيد أن الآمر يريد الفعل، وما زاد على الإرادة لا دليل عليه، فوجب الوقوف عند ذلك.

  والجواب: إن أرادوا أن الصيغة موضوعة للإرادة فغير مسلم، وقد عرفت فساده، وإن أرادوا أنها موضوعة لغير الإرادة والإرادة مفهومة منها على سبيل التبع فلا نسلم أن لا دليل على الزائد عليها، كيف وقد دللنا عليه وبينا أنه الموضوع له؟

  احتج أهل (الإباحة والتواطؤ) أي: القائلون بأن الصيغة موضوعة للإباحة والقائلون بأنها للقدر المشترك إما بين الوجوب والندب وهو الطلب أو بينهما وبين الإباحة وهو الإذن (ثبت الجواز) في المأمور به بالضرورة من اللغة، والزيادة المخصصة⁣(⁣١) للوجوب أو الندب حاصلة بلا دليل، فوجب الوقف [الوقوف/نخ] عنده، وهو معنى الإباحة.


(قوله): «كسؤال العطشان» فإن الإيجاب فيه قد ترتب عليه الوجوب ليحصل إنقاذه من الهلاك.

(قوله): «فاستويا» فيتم الاتحاد المطلوب.

(قوله): «وقد عرفت فساده» من الجواب المتقدم، حيث قال المؤلف #: بيان ذلك أن قولك: اسقني يفيد طلب الفعل ... إلخ.

(قوله): «كيف وقد دللنا عليه» أي: على الزائد على الإرادة، يعني بما عرفت من إجماع السلف على أنه للوجوب.

(قوله): «وبينا أنه الموضوع له» لأنه المتبادر إلى الفهم.

(قوله): «المخصصة للوجوب» وهي المنع من الترك⁣[⁣١].

(قوله): «أو الندب» وهي عدم المنع من الترك.

(قوله): «عنده» أي: الثابت، وهو الجواز.


(١) قال في شرح الجمع: لأنه المتيقن من قسمي الطلب. اهـ تقريره أن صيغة «افعل» لطلب وجود الفعل، فلا بد من رجحان جانبه على جانب الترك، وأدناه الندب؛ لاستواء الطرفين في الإباحة، وأما المنع عن الترك الذي هو خاصة الوجوب فأمر زائد على الرجحان لم تتحقق إرادته. وقد عورض هذا الاستدلال من طريق القائل بالوجوب بأن الموضوع للشيء محمول على الكامل منه؛ لأن الأصل في الأشياء الكمال؛ إذ الكامل ثابت من كل وجه، والناقص ثابت من وجه دون وجه، والكامل من الطلب ما اقتضى منع الترك، وهو الوجوب دون الندب، فمن جعله للندب جعل النقصان أصلاً والكمال عارضاً، وهو قلب المعقول. واعلم أن مآل كل من المعارضة والدليل إلى إثبات اللغة بالترجيح، وليس من طرق إثباتها، فكلاهما فاسد الوضع. (ابن أبي شريف).


[١] الظاهر أن الزيادة هي الرجحان فينظر. (حبشي ح).