هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

[الباب الثاني: في الأوامر والنواهي]

صفحة 471 - الجزء 2

  حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ}⁣(⁣١) [البقرة: ١٩٦] وقوله تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ}⁣[البقرة: ١٩٩]، بعد إيجاب الوقوف وحظر الإفاضة، وقوله ÷ لفاطمة بنت أبي حبيش⁣(⁣٢): «إذا كان دم الحيضة فإنه دم أسود يُعْرِفُ⁣(⁣٣)، فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاة، فإذا كان الآخر فتوضئي وصلي⁣(⁣٤) فإنما هو عرق⁣(⁣٥)» رواه أبو داود والنسائي والحاكم في مستدركه، إلى غير ذلك، فثبت أنه بعد الحظر كما كان عليه وأن تقدم الحظر لا يصلح قرينة للإباحة.

  القول الثالث قوله: (وقيل: بالوقف) بمعنى لا ندري أهو للوجوب أم


(قوله): «يعرف» أي: ينتن من العرف⁣[⁣١]، وهو الرائحة.

(قوله): «فثبت أنه بعد الحظر كما كان عليه ... إلخ» لكن ينظر ما يجاب به عن احتجاج المخالف على كونه للإباحة؟ ولا يبعد أن يقال: يتعارض الدليلان السمعيان ويرجح دليلنا بتقدم الحظر العقلي، مع أنه ليس قرينة للإباحة اتفاقاً؛ لأن الكلام هنا في تقدم الحظر الشرعي⁣[⁣٢] هل هو قرينة على كون الأمر للإباحة أم لا.


(١) وحلق الرأس نسك وليس بمباح محض. (محصول الرازي).

(٢) بضم الحاء المهملة وفتح الموحدة ثم تحتية ساكنة ثم شين معجمة، اسمه قيس بن المطلب بن أسد بن عبدالعزى بن قصي. (من شرح السيوطي على صحيح مسلم).

(٣) العرف الريح طيبة أو منتنة، وأكثر استعماله في الطيبة. (قاموس).

(٤) يقال: لم يجب الوضوء بهذا الأمر فلا تمسك به، ولا الصلاة أيضاً، وأيضاً فإن النهي إنما هو في وقت مخصوص وهو كونها حائضاً، فبعد ذلك الأمر يرتفع ذلك التحريم وتجب الواجبات من الوضوء والصلاة بأدلتها المعروفة، وإنما أراد بيان حالها وما تعتمده فتأمل. وقد ذكر هذا عضد الدين واستقربه حيث قال، وقيل: إذا علق بزوال علة عروض النهي كان كما قبل النهي، وهو غير بعيد. اهـ

نعم، وكلام عضد الدين يصلح في الأربعة المواضع المحتج بها، ولو احتج على هذا بعموم الآيات في قتال الكفار بعد تحريم القتال في الأشهر الحرم نحو قوله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ}⁣[التوبة: ١٢٣]، و {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ}⁣[التوبة: ١٤]، و {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}⁣[التوبة: ٢٩]، {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ}⁣[التوبة: ٧٣]، إلى غير ذلك فإن ظاهرها تعميم القتال في جميع الأوقات، وهو للوجوب بعد أن كان محرماً في الأشهر الحرم - لاستقام وصح فتأمل، والله أعلم.

(٥) بكسر العين وسكون الراء، ويقال له: العاذل⁣[⁣٣]. (شرح سيوطي على صحيح مسلم).


[١] لم يوجد في أصل المصنف، بل بيض له وكتب في الهامش: يبحث إن شاء الله في حواشي البحر. (ح).

[٢] ينظر. (عبدالله بن علي الوزير. ح).

[٣] والعاذل: العرق الذي يسيل منه دم الاستحاضة، لغة في العاذر. ويقال: اللام هي الأصل؛ ولهذا يقتصر كثير على إيراده هنا. (مصباح).