[الباب الثاني: في الأوامر والنواهي]
  الوجوب فيها؛ إذ لو وجب الفور لم يكن مسارعة(١)؛ لأن الإتيان بالفعل في الوقت الذي لا يجوز تأخيره عنه لا يوصف بالمسارعة قطعاً(٢)، ولو سلم فإنما يتم لو كانت الآية الكريمة تفيد تعميم المسارعة إلى جميع أسباب المغفرة، وهي غير مفيدة لذلك؛ لأنها إنما تفيد المسارعة إلى السبب بدلالة الاقتضاء(٣) لا بالمنطوق، والاقتضاء لا عموم له كما يجيء إن شاء الله تعالى، فلا دلالة لها على المسارعة إلى كل سبب للمغفرة، فيمكن تخصيص ذلك بما اتفق على وجوب تعجيله من الأفعال المأمور بها.
  واعلم أن هذا الوجه والذي قبله بعد تسليم ما فيهما إنما يدلان على أن الأمر يقتضي الفور شرعاً(٤) لا لغة.
  (و) عن الوجه (الثالث) بأن ما ذم إبليس عليه ليس من محل النزاع؛ لأن النزاع في المطلق، وأمره بالسجود ليس مطلقاً، بل هو مقيد بوقت معين (لقرينة) قوله
(قوله): «بدلالة الاقتضاء لا بالمنطوق» اعلم أن من أقسام دلالة الاقتضاء أن تتوقف الصحة العقلية أو الشرعية على المقدر، فالأول نحو: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ}[يوسف: ٨٢]، أي: أهلها، والثاني نحو: أعتق عبدك عني على ألف، أي: ملكني عبدك وأعتقه عني، والظاهر أن ما نحن فيه يصلح أن يكون من الأول ومن الثاني؛ إذ لا يصح الأمر بالمسارعة إلى مجرد المغفرة بدون الأمر بفعل أسبابها، إذا عرفت هذا فالمقتضى على صيغة اسم المفعول هو المقدر، وهو أسباب المغفرة، وسيأتي في باب العموم أن المقتضي لا عموم له؛ لأن الحاجة تندفع بتقدير البعض، ففي ما نحن فيه تندفع عدم الصحة العقلية أو الشرعية بتقدير بعض الأسباب كما ذكره المؤلف #، ولاستيفاء البحث محل آخر، وهذا ما يتعلق بما ذكره المؤلف #.
(١) ولا مستبقاً؛ لأنهما إنما يتصوران في الموسع دون المضيق، ولا يقال لمن قيل له: صم غداً: إنه مسارع إليه واستبق إذا صامه، وأيضاً لو وجبت المسارعة والاستباق من الآيتين[١] لم يكن من مجرد الأمر، وليس ذلك مدعى الخصوم. (سبكي).
(٢) لا يقال لمن قيل له: صم غداً فصام: إنه سارع إليه أو استبق. (عضد). وأما ما قيل من أنه لا يقال لمن قيل له: صم غداً فصامه: إنه سارع فظاهر المنع؛ إذ المسارعة عبارة عن عدم التلكؤ في الامتثال. (جلال).
(٣) إنما يستقيم على قول بعضهم - وهو الغزالي وغيره -: إن دلالة الاقتضاء من المفهوم كما هو مذكور فيما سيأتي، وأما على ما بنى عليه المؤلف # وصدره من أنها من المنطوق فغير مسلم، والله أعلم.
(٤) هذا حكاه السعد عن العلامة واستقواه. قال الأبهري: والجواب أنه إذا ثبت كونه للفور في الأوامر الشرعية ثبت في غيرها أيضاً؛ إذ لا قائل بالفصل.
[١] الآية الثانية: فاستبقوا الخيرات.