[الباب الثاني: في الأوامر والنواهي]
  تعالى: ({فَإِذَا سَوَّيْتُهُ) وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ٢٩}(١) [الحجر].
  استدل (الثاني) وهو القائل بإفادة المطلق التراخي بأن المستفاد من الأمر الوارد متجرداً عن ذكر الوقت وجوب إيقاع المأمور به من دون تخصيص له بوقت معلوم؛ إذ لا ذكر للوقت(٢)، فثبت أن (الأوقات فيه على سواء) ووجوبه لا يقتضي تخصيصه بأول أوقات الإمكان؛ لأن الوجوب ينقسم إلى مضيق وموسع، وإذا كان كذلك (فلا فور) يستفاد منه، (قلنا: ولا) يستفاد منه (تراخ) وهو ظاهر.
  واعلم أن هذه حجة السيد أبي طالب أوردناها لتتبين صحة رد القول الثاني إلى الثالث.
  استدل (الثالث) وهو القائل بأنه للقدر المشترك بمثل (ما سبق) في التكرار من أن المطلوب حقيقة الفعل، والفور والتراخي خارج، فإن الفور والتراخي من صفات الفعل فلا دلالة له عليهما، والجواب كالجواب.
  (وأيضاً) الزمان والمكان من ضرورة الفعل المطلوب بالأمر قطعاً على السواء،
(١) وفيه قرينتان دالتان على الفور: إحداهما: الفاء، والثانية: أن فعل الأمر - وهو قوله تعالى: {فقعوا} - عامل في «إذا»؛ لأن إذا ظرف، والعامل فيها جوابها على رأي البصريين، فصار التقدير: فقعوا له ساجدين وقت تسويتي إياه. (أسنوي).
(*) وقال السبكي ما نصه: وتقرير فهم الفور من هذه الآية أن العامل في إذا هو قوله: {فقعوا له ساجدين}، فيصير تقدير الآية حينئذ: فقعوا له ساجدين حين تسويتي إياه، فوقت السجود حينئذ مضيق، وامتناع تأخيره عن حين التسوية مستفاد من امتناع تأخير المظروف عن ظرفه الزماني لا من مجرد الأمر، فاعتمد على هذا التقرير ولا تفهم الفورية من ترتيب السجود على ما ذكر من الأوصاف بالفاء، فإن ذلك إنما يتم لو كانت الفاء فيه للتعقيب، وقد نص النحويون على أن الفاء إذا وقعت جواباً للشرط لا تقتضي تعقيباً.
(٢) إذ لو أفاد التعجيل لم يخل إما أن يفيد بصريحه أو بمفهومه، والأول باطل؛ إذ ليس فيه تعيين الوقت، والثاني لا يصح إلا إذا كان الوجوب لا يعقل إلا في ثاني حال الخطاب، فيكون ما دل على اقتضاء الأمر للوجوب قد دل على تعيين ذلك الوقت له، وهو باطل؛ لأن الفعل يقع موقع الواجب في أي وقت أدي، واحتج ثالثاً بأن فريضة الحج نزلت سنة ست وحج رسول الله ÷ سنة عشر. وقد أجيب عن هذا بجواز أن يكون تأخيره لعذر. (شيخ لطف الله ¥).