[الباب الثاني: في الأوامر والنواهي]
  وفي وجودها وقع الخلاف، فمن أثبت وجودها في الخارج جوز أن يكون المطلوب في الأمر بفعل مطلق(١) هو الماهية، ومن لا فلا(٢).
  لنا في الاحتجاج على امتناع وجودها في الخارج قوله: (لاستحالة وجودها في الأعيان) وإذا استحال وجودها في الأعيان امتنع طلبها وتعلق الأمر بها؛ وذلك لوجهين:
  أحدهما قوله: (لأنها لو وجدت) في الأعيان (فالموجود) حينئذ (إما هي فقط) يعني لا مع أمر زائد عليها (ويلزم) على هذا التقدير (وجود) الأمر (الواحد بالشخص في أمكنة مختلفة(٣) واتصافه بصفات متضادة) وهو محال(٤).
(قوله): «يعني لا مع أمر زائد عليها» بأن يلاحظ مثلا الحيوان من حيث هو في نفسه معنى بتصور في العقلي، فإنه من هذه الحيثية ليس بكلي ولا جزئي؛ لأنه لو كان الحيوان لأنه حيوان كلياً لم يثبت حيوان شخصي، ولو كان لأنه حيوان جزئياً لم يؤجد منه إلا شخص واحد، وهو الذي يقتضيه، فإذا فرض وجود الحيوان من هذه الحيثية كان الموجود هو الماهية فقط، بخلاف ما إذا تصور مع كونه كلياً أو جزئياً فقد تصور العقل معنى زائداً على الحيوانية، فظهر بما ذكرناه قول المؤلف # فيما يأتي: أو الموجود هي مع أمر زائد عليها، يعني أن الموجود ماهية الحيوان مع أمر أخر زائد عليها وهي الكلية والجزئية[١].
(١) في نسخة: في الأمر المطلق هو الماهية.
(٢) وتحرير محل النزاع أن الكلي إما طبيعي أو منطقي أو عقلي، وهذا لأنك إذا قلت: هذا كلي مشيراً إلى البيع مثلاً فهناك أمور ثلاثة: أحدها: الطبيعة من حيث هي، كماهية البيع مثلاً، وهو الطبيعي، والثاني بقيد كونه كلياً، أي: يشترك في مفهومه كثيرون، وهو المنطقي، والثالث: تلك الماهية بقيد كونها كلياً، وهو العقلي. وهذا مما لا خفاء به، فإنك تارة توجه النظر إلى الطبيعة، وتارة إلى قيد كونها يشترك في مفهومها كثيرون، وتارة إلى مجموع الأمرين. والأول الطبيعي، والثاني المنطقي، والثالث العقلي. والطبيعي موجود في الأعيان بلا شك، فالبيع بثمن المثل موجود في الأعيان ضرورة، وجزؤه البيع من حيث هو بيع، وجزء الموجود موجود، وأما المنطقي والعقلي ففي وجودهما في الخارج خلاف مبني على أن الأمور النسبية هل لها وجود في الخارج أم لا، ومحل النزاع في مسألتنا إنما هو في الكلي الطبيعي. (من كتاب ابن السبكي على مختصر المنتهى).
(٣) كلو وجدت ماهية الإنسان بكمالها في زيد وعمرو وبكر وخالد فيصير الواحد بالشخص متعدداً وتنقلب ذاته غير ذاته، وأنه محال، ويلزم أيضاً اتصاف الواحد بالشخص بأوصاف متضادة، كأسود وأبيض وطويل وقصير وعاقل وجاهل لوجوده بنفسه في محال هي كذلك، وأنه محال. (شرح ابن جحاف للغاية).
(٤) ومن حيث إنها موجودة تكون مشخصة جزئية[٢]، ومن حيث إنها الماهية الكلية تكون كلية، وهو محال. (عضد).
[١] في بعض الحواشي على الغاية: وهو الشخص وهو الصواب. (ح عن خط شيخه).
[٢] إشارة إلى أن المراد الجزئي الحقيقي؛ ليندفع الاعتراض بأن الشيء قد يكون جزئياً وكلياً معاً، كالأجناس والأنواع المتوسطة. (سعد الدين).