[الباب الثاني: في الأوامر والنواهي]
  والأشاعرة يجعلون متعلق النهي الماهية المشتركة المعبر عنها عند المنطقيين والمتكلمين بالكلي الطبيعي كما هو مذهبهم في الواجب المخير، ويلزمهم وجوب الانتهاء عن كل فرد؛ لوجود القدر المشترك في ضمن كل واحد، فإذا فعل فرداً فقد فعل المنهي عنه لوجوده في ضمنه؛ ولهذا قال بعضهم بنفي الحرام المخير.
  (أو فرقاً) نحو قوله ÷: «لا يمشين أحدكم في نعل واحدة، لينتعلهما جميعاً أو ليخلعهما جميعاً» رواه البخاري ومسلم(١)، فإنه يصدق أنه منهي عنهما جميعاً
(قوله): «والأشاعرة يجعلون متعلق النهي الماهية المشتركة» قد عرفت مما نقلناه أن كلام الأشاعرة ليس في مسألة النهي عن الجمع، بل في مسألة الحرام المخير، نحو: لا تكلم زيداً أو عمراً، فهي التي جعلوها كالواجب المخير وجعلوا متعلق النهي فيها أحد الشيئين أو الأشياء لا بعينه.
(قوله): «ويلزمهم وجوب الانتهاء عن كل فرد ... إلخ» هذا ذكره بعض المحققين من أهل الحواشي على قول ابن الحاجب: مسألة: يجوز أن يحرم واحد لا بعينه خلافاً للمعتزلة، وهي كالمخير، حيث قال: أقول: تعلق الوجوب بالواحد المبهم - وهو مفهوم أحدها على ما مر في الواجب المخير - معقول؛ لأن المقصود في الوجوب هو وجود الفعل الواجب، فإذا تعلق الوجوب بالمفهوم الكلي تحصل المقصود بوجود أي فرد كان، والمقصود في التحريم هو ترك الفعل الحرام، فلو تعلق التحريم بالمفهوم الكلي لما تحصل المقصود إلا بترك هذا المفهوم وعدمه، وعدم الطبيعة الكلية إنما هو[١] بعدم جميع أفرادها، فمقتضى هذا الحكم أنه لا يجوز الإتيان بواحد منها لا جمعاً ولا بدلاً، والفرض أنه يجوز الإتيان بكل واحد منها بدلاً، ثم قال: والحق أن يقال: التحريم متعلق بالمجموع من حيث هو مجموع؛ إذ هو الذي لا يجوز الإتيان به أصلاً، وليس متعلقاً بذلك المفهوم؛ إذ يجوز الإتيان به في ضمن كل فرد بدلا.
(قوله): «ولهذا قال بعضهم بنفي الحرام المخير» إن أراد بعض الأشاعرة فهو إشارة إلى ما ذكره السبكي عن شيخه أنه قال: الحق نفيه أي نفي الحرام المخير، وإلى ما عرفت من المنقول عن بعض أهل حواشي[٢] شرح المختصر من جعل النهي في الحرام المخير متعلقاً بالمجموع من حيث هو مجموع، وإن أراد بعض العلماء فقد عرفت ما نقله ابن الحاجب وصاحب الجمع عن المعتزلة من نفيهم للحرام المخير، والله أعلم.
(قوله): «أو فرقاً» هذا عكس النهي عن الجمع، فهو نهي عن الافتراق دون الجمع كما ذكره في شرح الجمع.
(قوله): «لا يمشين أحدكم في نعل واحدة» فإن مقتضاه النهي عن الافتراق.
(قوله): «فإنه يصدق أنه منهي عنهما جميعاً» الأولى أن يقول: فإنه منهي عنهما مفترقين لبساً أو نزعاً؛ إذ قد يتوهم من قوله: جميعاً ... إلخ عكس المقصود؛ فلهذا احتاج المؤلف # إلى دفع هذا التوهم بزيادة قوله: من جهة الفرق بينهما ... إلخ، فلو قال كما ذكرنا لاستغنى عن هذه الزيادة، قيل: وفي بعض النسخ: فإنه يصدق أنه منهي عنهما لبساً أو نزعاً؛ فلا اعتراض.
(قوله): «أو جميعاً» أي: عن كل واحد سواء أتي به منفرداً أو مع الآخر.
(١) والهادي # في الأحكام.
[١] في المطبوع: وعدم الطبيعة إنما تعدم بعدم. والمثبت من حاشية ميرزاجان.
[٢] الظاهر أنها لا تصح الإشارة إلى المنقول عن بعض أهل الحواشي إذا كان المراد به من في القولة الأولى، وهو قوله: فالحق ... إلخ فتأمل. (ح عن خط شيخه).