هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

[فصل: في لفظ النهي]

صفحة 533 - الجزء 2

  والمعاملات، وسواء رجع إلى نفس المنهي عنه⁣(⁣١) كصلاة الحائض وصومها أو جزئه


= فمن قال بأن الفساد شرع الأصل لا الوصف أراد بالفساد هنا هذا المعنى كما هو مقتضى ما في الفصول وشرحه للشيخ العلامة لطف الله الغياث |، ولعل الوجه في هذا التقييد أن المناهي فيها ما هو باطل بالإجماع إذ لا يترتب عليها شيء من الآثار، كما في بيع الكلب وحبل الحبلة والملاقيح ونحو ذلك، فلو كان الفساد هنا على حسب الخلاف كانت واسطة عند من يقول بأن الفساد غير مرادف للبطلان، لكن قد عرفت فيما سبق من مباحث الأحكام أن جمهور أئمتنا وغيرهم لا يجعلون الفساد في المعاملات مرادفاً للبطلان، فالقول بأن النهي يدل على الفساد بمعنى البطلان في المعاملات عند المنصور بالله وأبي طالب وغيرهما بعيد، فإن القائل بالترادف في المعاملات إنما هو الناصر # فقط، وأيضاً فقد يترتب بعض الآثار على بعض المنهيات كما لا يخفى، وقد عرفت أن الباطل لا يترتب عليه شيء من الآثار، والأولى أن يطلق الفساد هنا كما في شرح المختصر وشرح الجوهرة ولا يقيد بالمرادف للبطلان ولا بكونه على حسب الخلاف، وتكون معرفة معنى الفساد متوقفة على أمرين: الأول: معرفة الصور الجزئية من المنهيات، فمنها ما يدل النهي على البطلان، ومنها ما يدل النهي على فساد الأصل دون الوصف فيكون الواسطة. الأمر الثاني: على معرفة النهي هل للعين أو للوصف أو لأمر خارج. لكن فائدة ذكر هذه الأقسام إنما يظهر في أصول الحنفية والشافعية لاستيفائهم الصور الجزئية، لا في كتب الأصحاب لعدم استيفائهم لها، وقد صرح الشيخ العلامة بما ذكرنا، وسيأتي بيانه في آخر البحث إن شاء الله تعالى.

(قوله): «وقد عرفت معناه» أي: البطلان في مباحث الأحكام بأنه عدم ترتب شيء من الآثار.

(قوله): «وسواء رجع إلى نفس المنهي عنه ... إلخ» المناهي كما في الفصول ثلاثة: ما نهي عنه لعينه، وما نهي عنه لوصفه، وما نهي عنه لأمر خارج، وزاد المؤلف # ما رجع النهي إلى جزئه كالنهي عن بيع حبل الحبلة والملاقيح، وجعله الشيخ العلامة في شرح الفصول ناقلاً عن حواشي الفصول مما رجع النهي إلى عينه؛ إذ لا يظهر فرق بين صوم الحائض وبين بيع حبل الحبلة في أن النهي راجع إلى نفس المنهي عنه وهو البيع الخاص، كما أن النهي راجع إلى نفس المنهي عنه وهو صوم الحائض الخاص، وإن كان علة النهي في البيع المذكور هو ركن المبيع كما ذكره المؤلف #. واعلم أن عبارة المؤلف # - وهي قوله: وسواء رجع إلى نفس المنهي عنه أو صفته - أولى من قولهم: ما نهي عنه لعينه أو لوصفه كما في الفصول وشرح المختصر؛ لإيهام عبارتهم أن العين والوصف علة للنهي، وليس كذلك؛ فإن المراد أنه نهي عن نفس العين أو نفس الوصف كما صرح بذلك السعد في المنهي عنه لوصفه حيث قال: المنهي عنه لوصفه هو أن ينهى عن الشيء مقيداً بصفة، نحو: لا تصل كذا ولا تبع كذا، وحاصله ما ينهى عن وصفه لا ما يكون⁣[⁣١] الوصف علة للنهي على ما تشعر به عباراتهم انتهى. ثم اعلم أن صاحب الفصول فسر المنهي عنه لعينه بما نهي فيه عن الجنس كله لأنه منشأ المفسدة كالظلم، والمنهي عنه لوصفه ما نهي فيه عن بعض الجنس لوصف يلازمه، ومثل الأول في حواشي الفصول بما ذكره المؤلفُ من بيع حبل الحبلة والملاقيح، وزاد الملامسة والمنابذة وبيع الحصاة والخمر والكلب والكالئ بالكالئ، قال: فالنهي دال على بطلان هذه الثمانية؛ للإجماع على بطلان ما هذا حاله. وقد استشكل الشيخ العلامة ¦ في شرحه جعل هذه الثمانية مما نهي عنه لعينه على ما فسره صاحب الفصول من أنه ما نهي عنه فيه عن الجنس كله؛ لأن ذلك لا يمكن إلا فيما قضي فيه العقل بقضية مبتوتة كالنهي عن الظلم ونحوه، وأما في الشرعيات فلا يتأتى ذلك فيها فيما فهمت⁣[⁣٢]، ويلزم أن لا تختلف الشرعيات؛ لأن العلة الجنس كله، ولأن الذاتي ثابت قبل الشرع، =


[١] في المطبوع: لا ما لا يكون. والصواب حذف لا كما في حاشية السعد.

[٢] المقرر في كتب الحنفية أن ما قبح لعينه هو ما كان قبيحاً في ذاته بحيث يعرف قبحه بمجرد العقل قبل ورود الشرع كالكفر والعبث، ولم يجعلوا غير ذلك مما قبح لعينه، بل جعلوه من الملحق به، فلا اتجاه لما اعترض به الشيخ لطف الله | على صاحب الفصول، غاية ما في الباب أنه جعل الملحق كالملحق به للاتحاد في الحكم، والحاصل أن المحشي | قد أكثر النقل هنا عن كتب الأصحاب ولم يقع على المطلوب؛ إذ النقل هنا لا يليق إلا بأن يكون من كتب من رتبوا على التفرقة بين ما هو لعينه أو لوصفه أموراً شتى، والله أعلم. (ح).