[الباب الثالث: العموم والخصوص]
  والرازي وغيره لا يعدونهما من قسم العام، وإنما نزل ترك البيان(١) في مقام الاحتمال منزلة العموم(٢)؛ ولهذا قال بعض الشافعية: إن الأئمة لم يريدوا العموم، وإنما هذه الزيادة من جهة النقلة عنهم، لما رأوهم يقولون بإطلاق المشترك على معنييه ظنوا أنهم ألحقوه بالعام في معنى استغراقه لمدلولاته ووجوب الحمل على جميع معانيه.
  (و) اعلم أن الاتفاق وقع على أن (العموم توصف(٣) به الألفاظ حقيقة)
(قوله): «وإنما نزل ترك البيان في مقام الاحتمال ... إلخ» يعني أن تناول المشترك لمعنييه ليس من الشمول الوضعي، بل من حيث إن الخطاب إذا جاء وقت العمل ولم يبين أن المقصود أحد المعنيين علم أن المراد المجموع؛ إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، ولا يخرج عن العهدة إلا بالجميع؛ لأنه أحوط، لاشتماله على مدلولات اللفظ بأسرها.
(قوله): «وإنما هذه الزيادة» أي: وصفه بالعموم.
(١) وهو عدم قيام القرينة المعينة.
(٢) تنزيل المشترك منزلة العام عند الرازي احتياطاً، وذلك أنه يقول: إن للسامع أحوالاً ثلاثة: إما أن يتوقف فيلزم التعطيل لا سيما عند وقت الحاجة، أو يحمل على أحدهما فيلزم الترجيح بلا مرجح، فلم يبق إلا الحمل على المجموع، وهو أحوط؛ لاشتماله على مدلولات اللفظ بأسرها، ولأن تأخير البيان عن وقت الحاجة غير جائز، فإذا جاء وقت العمل بالخطاب ولم يتبين أن المقصود أحدهما علم أن المراد المجموع، وعلى هذه الطريقة جرى الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد فقال: إن لم يقم دليل على تعيين أحد المعنيين للإرادة حملناه على كل منهما، لا لأنه مقتضى اللفظ وضعاً، بل لأن اللفظ دل على أحدهما ولم يعين، ولا يخرج عن عهدته إلا بالجميع، قال: ولا فرق في ذلك بين أن يكون الحكم وجوباً أو كراهة. (زركشي).
(٣) واعلم أن منشأ الخلاف في كون العموم من عوارض المعاني الخارجية هو الخلاف في وحدة الأمر الشامل لمتعدد، فمن اعتبر وحدته شخصية يمنع الإطلاق الحقيقي في المعاني الخارجية، ومن فهم من اللغة أن وحدته أعم من الشخصية والنوعية أجاز الإطلاق. وفي تحرير ابن الهمام أن الحق أن الوحدة أعم من الشخصية والنوعية؛ لقولهم: مطر عام وخصب عام والوحدة فيهما نوعية، وصوت عام والوحدة فيه شخصية؛ ولهذا اختار الماتن[١] والشارح وغيرهما أن العموم توصف به المعاني حقيقة كاللفظ. (مما نقل من خط الشيخ لطف الله |).
(*) في الجمع وشرحه للمحلي ما لفظه: (والصحيح أنه) أي: العموم من عوارض الألفاظ دون المعاني (قيل: والمعاني) أيضاً حقيقة (وقيل به) أي: بعروض العموم (في الذهني) حقيقة لوجود الشمول المتعدد فيه، بخلاف الخارجي، والمطر والخصب مثلاً في محل غيرهما في محل آخر، فاستعمال العموم فيه مجازي، وعلى الأول استعماله في الذهني مجازي أيضاً، وعلى الآخرين الحد السابق للعام من اللفظ.
[١] يعني ابن الحاجب والشارح يعني العضد.