[الباب الثالث: العموم والخصوص]
  الإطلاق (فإنها منعُ تخصيصها ومعرفتُها) يعني أن الفائدة غير ما ذكروه من إبطال العموم، مثل منع تخصيص الأسباب، فلا يجوز إخراجها عن العموم بطريق الاجتهاد، ومعرفة الأسباب والسير والقصص فإنها تطلب لذاتها، وربما أفادت معرفتها الوثوق بصحتها؛ ولهذا قال الغزالي: إن أبا حنيفة لم يبلغه السبب في قصة عبد بن زَمْعة(١) وسعد بن أبي وقاص(٢) فأخرج السبب(٣) عن العموم.
  والتحقيق: أن السبب المعين قطعي الدخول فلا يجوز إخراجه عن العموم
(١) قال الدماميني في شرح البخاري: من هذا الحديث قد بالغ الشافعي في الرد على من يجوز إخراج السبب بالاجتهاد، وأطنب في أن دلالة العام قطعية؛ لدلالة العام عليه بطريقين: أحدهما: العموم، وثانيهما: كونه وارداً لبيان حكمه، ومن ذلك يثبت كونه لا يخرج بالاجتهاد. قال التقي السبكي: وهذا عندي إذا دلت قرائن على أن العام يشمله بطريق الوضع، وإلا فقد ينازع الخصم في دخوله وضعاً تحت اللفظ العام ويدعي أنه قد يقصد المتكلم بالعام إخراج السبب وبيان أنه ليس داخلاً في الحكم، فإن للحنفية أن يقولوا: هو وإن كان وارداً في أمة فهو وارد لبيان حكم ذلك الولد، وبيان حكمه إما بالثبوت أو الانتفاء، فإذا قد ثبت الفراش للزوجة لأنها هي التي تتخذ لذلك وقال: «الولد للفراش» كان فيه حصر أن الولد للحرة، وبمقتضى ذلك لا يكون للأمة، وكان فيه إثبات الحكمين جميعاً: نفي النسب عن السبب وإثباته لغيره، ولا يليق دعوى القطع هاهنا، وهذا النزاع هل اسم الفراش يثبت للأمة والحرة أم لا. فالحنفية يدعون الثاني، ولا نزاع عندهم في الأمة، فتخرج المسألة حينئذ من باب أن العبرة بعموم اللفظ أو بخصوص السبب، فظهر أن دعوى دلالة العام على سببه قطعية يمكن فيها النزاع، فليتنبه لهذا البحث فإنه نفيس جداً.
(*) زمعة: بفتح أوله وسكون الميم وقد يحرك، قال النووي: والسكون أشهر. وهو ابن قيس بن عبد شمس القرشي العامري، والد سودة زوج النبي ÷، وعبد بن زمعة بغير إضافة، ووقع في مختصر ابن الحاجب عبدالله، وهو غلط واسم الابن المذكور عبدالرحمن، ذكره ابن عبدالبر، وقد أعقب بالمدينة. واختلف في صحبة عتبة بن أبي وقاص، والأصح أنه مات كافراً. (فتح الباري).
(٢) روى البخاري ومسلم وأحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث عائشة قالت: اختصم سعد بن أبي وقاص وعبد بن زمعة إلى رسول الله ÷ في غلام، فقال سعد: يا رسول الله، إن أخي عتبة بن أبي وقاص عهد لي أنه ابنه انظر إلى شبهه، وقال عبد بن زمعة: هذا أخي يا رسول الله، ولد على فراش أبي، فنظر رسول الله ÷ إلى شبهه فرأى شبهاً بيناً بعتبة فقال: «هو لك يا عبد بن زمعة، الولد للفراش وللعاهر الحجر ...» الحديث.
(٣) قال أبو حنيفة: لا تصير الأمة فراشاً بالوطء ولا يلحقه الولد إلا باعترافه، وحمل تلك القصة على الزوجة وإخراج الأمة عن عمومه. (شرح أبي زرعة على الجمع).