هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

[فصل: في ذكر العام]

صفحة 610 - الجزء 2

  (و) هذا الخلاف (مبناه على أن المفعول به مقدر) في نظم الكلام فيكون كالمذكور ملحوظاً عند الذكر، فجاز أن يراد به بعض دون بعض (أو محذوف) لا يلحظ عند الذكر، وإنما سيق الكلام لنفي حقيقة الفعل من حيث هي⁣(⁣١).

  (والصحيح احتمالهما) لأن كل واحد منهما واقع في فصيح الكلام (فيقبله) أي: التخصيص بالنية، ويكون ذلك قرينة لإرادة أحد المحتملين.

  واعلم أن من أصحابنا من جعل الخلاف عاماً في الفعل المتعدي وغيره، ومثل لغيره بـ: «إن صمت، ولا أصوم» بالنسبة إلى الأمنة، و «إن قعدت، ولا أقعد» بالنسبة إلى الأمكنة، ولا بعد فيه، فإن سائر المتعلقات مما يحتمل التقدير والحذف.

  والغزالي وابن الحاجب وغيرهما خصصوا الخلاف بالمتعدي، وجعلوا⁣(⁣٢) ما عداه محل وفاق في أنه لا يقبل التخصيص بالنية، وفي دعوى الوفاق؛ نظر


(قوله): «والصحيح احتمالهما» أي: احتمال الحذف والتقدير، فعلى هذا يكون من قبيل الاشتراك فلا يكون ظاهراً في العموم⁣[⁣١].

(قوله): «والصحيح احتمالهما» أما الحذف فكما في قوله تعالى: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ٢١٦}⁣[البقرة]، وقولهم: فلان يعطي ويمنع، وإما التقدير فكما في قوله تعالى: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا}⁣[آل عمران: ٣٠]، أي: ما عملته، قال السعد: وهو أكثر من أن يحصى.

(قوله): «فيقبله» ظاهره أنه متفرع على قوله: والصحيح احتمالهما، وفي شرح المختصر: فالواجب أن يقام الدليل على أن الظاهر هو التقدير ليكون في حكم الملفوظ فيقبل التخصيص.

(قوله): «واعلم أن من أصحابنا» أراد صاحب الفصول، قال الشيخ ¦ في شرحه: لأن الظاهر في المحذوف أنه مقدر في نظم الكلام لاحتياج الفعل إليه؛ إما لتوقف فهمه عليه كالمفعول به، أو لأنه من ضرورته كالزمان والمكان، أو لأن الغالب في الفعل وقوعه به كالسبب والآلة، فهو كالملفوظ به، وكما أنه لو لفظ به عاما كان الفعل عاماً فيه فكذلك مع حذفه.

(قوله): «محل وفاق في أنه لا يقبل التخصيص بالنية» لأن غير المفعول به من سائر المتعلقات من الزمان والمكان عند عدم الذكر من قبيل المحذوف دون المقدر؛ فلا يكون بمنزلة عام ملفوظ قابل للتخصيص، ذكره في شرح المختصر وحواشيه، وادعوا الوفاق على ذلك، وفي شرح الفصول للشيخ العلامة أن حجة الغزالي في عدم عمومه في غير المفعول به أن الفعل يعقل بدونه؛ فيجوز أن لا يخطر بالبال أصلا وإن كان لا ينفك عنه في الواقع، فلا يكون كالمذكور.


(١) وهي شيء واحد ليس بعام. (غيث هامع). والتخصيص فرع العموم. (زركشي على الجمع).

(٢) قال أبو زرعة في شرح الجمع ما لفظه: وكلام القاضي عبدالوهاب يدل على جريان الخلاف في الفعل القاصر أيضاً، وهو مخالف لكلام الإمام والغزالي والآمدي وغيرهم.


[١] يقال: هو عام بالنظر إلى شموله لمفعولاته، والتخصيص قرينة ... إلخ، وكونه من قبيل الاشتراك بالنظر إلى ما يحتمله من الحذف والتقدير فينظر. (ح عن خط شيخه).