هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

[الباب الثالث: العموم والخصوص]

صفحة 670 - الجزء 2

  يأكل إلا ثلاثاً، ومن قال: كل من دخل داري فهو حر» وفسره بثلاثة⁣(⁣١).

  (وبناء) المذهبين (الأولين) وهما المجوز إلى ثلاثة والمجوز إلى اثنين (على أقل الجمع) كأنهم جعلوه⁣(⁣٢) فرعاً لكون الجمع حقيقة في الثلاثة أو في الاثنين.

  والجواب: أن الكلام في أقل مرتبة يجوز تخصيص العام إليها لا في أقل المراتب التي يجوز استعمال الجمع فيها (و) الجمع⁣(⁣٣) (ليس بعام) ولا دليل على تلازم أحكامهما، فلا تعلق لأحدهما بالآخر.

  (وما احتج به الثالث) وهو المجوز إلى واحد على الإطلاق (من قوله تعالى) {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ (وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ٩)}⁣[الحجر]، أطلق ضمائر الجمع والمراد بها هو تعالى وحده لا شريك له.


(قوله): «فلا تعلق لأحدهما بالآخر» فلا يكون المثبت لأحدهما مثبتاً للآخر.


(١) قال العلامة الجلال بعد ذلك في شرح المختصر ما لفظه: فإنه يعد لاغياً في التعبير عن الثلاثة بلفظ الشمول، بخلاف ما لو قال: قتلت كل من في المدينة إلا من لم يكن أعور، وقال: من دخل المدينة فأكرمه إلا من لم يكن أعور فإنه لا يقبح. هذا تقرير كلامه، ولا يخفى أنه غلط منشؤه عدم الفرق بين العموم المخصوص وبين العموم الذي أريد به الخصوص، والفرق بينهما أن العموم المخصوص مستعمل فيما وضع له فلا قبح فيه، والعموم الذي أريد به الخصوص مستعمل في غير ما وضع له، كاستعمال اسم الكل في الجزء، فإن كان اللفظ مما هو نص في الكل كلفظ الكل ونحو عشرة لم يصح استعماله إلا في الأكثر والأكبر؛ إذ هما يعدان عرفاً كالكل، فيقبح عشرة إلا تسعة، وخذ العشرة واحداً منها، وإن لم يكن نصاً في الكل فإن كان نصاً في الكثرة كالجمع فلا بد من بقاء ما يصدق عليه الجمع ولو مجازاً من واحد أو اثنين على الخلاف الماضي فيما يصح إطلاق الجمع عليه، وإلا صح إطلاقه على الواحد. والسر في ذلك كله أن اللفظ لا بد أن يبقى في واحد من مسمياته الحقيقية أو المجازية، وبهذا يعلم أن إطلاقه صحة الاستثناء إلى واحد غلط؛ لأنه وإن صح في غير اسم الشمول والكل فهو لا يصح الاستثناء من لفظ كل وعشرة إلى أن لا يبقى إلا واحد؛ لأن التجوز باسم الكل في البعض إنما يصح حيث يكون للبعض حكم الكل، بأن يكون أكثره أو أكبره أجداه في المقصود كما في تسمية الزبيبة عنباً أو نحو ذلك. وهذه حجة القاضي والحنابلة كما سيأتي في الاستثناء إن شاء الله تعالى.

(٢) أي: التخصيص إلى أن يبقى ثلاثة أو اثنان.

(٣) يعني من حيث إنه جمع.