[الباب الثالث: العموم والخصوص]
  وقوله تعالى: ({الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ) إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ}[آل عمران: ١٧٣]، والمراد بالأول نعيم بن مسعود الأشجعي(١) وبالثاني أبو سفيان، ولم يعده أهل اللغة مستهجناً مع قيام القرينة، فجاز التخصيص إلى الواحد إذا وجدت القرينة(٢) (و) من (جواز: «أكرم الناس إلا الجهال» والعالم واحد) بالاتفاق(٣) (و) من (صحة) قولك: (أكلت الخبز وشربت الماء) مريداً (لأقل شيء) مما يتناوله الماء والخبز، علم ذلك من اللغة بالضرورة - فالجواب عن جميع ذلك أنه (خارج عن محل النزاع) فلا يقوم شيء حجة في المدعى، أما نحو قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ٩} فإنه للتعظيم وليس من التعميم والتخصيص(٤) في شيء.
(قوله): «بالاتفاق» أي: لا خلاف في ذلك، ويحتمل بالاتفاق أي اتفق كون العالم واحداً من غير دلالة للعبارة عليه.
(١) قال البرماوي في شرح ألفيته: القائل لذلك هو نعيم بن مسعود الأشجعي كما ذكره الآمدي وابن الحاجب تبعاً لكثير من المفسرين، لكن الذي ذكره الشافعي في الرسالة أنهم أربعة، وزاد بعضهم في نقله عن الرسالة أنه قال: وهم الأربعة الذين تخلفوا عن أحد، لكن الذي رأيته في الرسالة في عدة نسخ صحيحة في باب ما يكون من الكتاب عام الظاهر والمراد خاص ما سبق بدون هذه الزيادة. أما الناس في قوله تعالى: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ} فذكر كثير من المفسرين أنه أبو سفيان، فيكون أيضاً شاهداً للمسألة، ومثله أيضاً قوله تعالى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}[النساء: ٥٤]، المراد بالناس هم النبي ÷ كما قاله كثير. ونحوه أيضاً قوله تعالى: {فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ}[آل عمران: ٣٩]، قيل: هو جبريل وحده، وكذا قيل به في قوله تعالى: {إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَامَرْيَمُ}[آل عمران: ٤٥]، {يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ}[النحل: ٢]، أي: بالوحي؛ لأن الرسول إلى جميع الأنبياء جبريل #. قلت: وفي الاستدلال بذلك على المسألة نظر؛ فإن ذلك إنما هو من العام المراد به خاص لا من العام المخصوص، ويدل على ذلك ترجمة الشافعي السابقة.
(٢) عبارة العضد: فوجب جواز التخصيص إلى الواحد مهما وجدت القرينة.
(٣) متعلق بجواز.
(٤) وذلك لما جرت به العادة أن العظماء يتكلمون عنهم وعن أتباعهم فيغلبون المتكلم، فصار ذلك استعارة عن العظمة ولم يبق معنى العموم ملحوظاً. (عضد).