مقدمة مكتبة أهل البيت (ع)
  تدرجت الأوامر الإلهية بدءاً بالأهم الأهم، حتى أصبح للمسلمين كيان مستقل في المدينة النبوية فنزلت تفاصيل أكثر العبادات والمعاملات، ففي هذه الفترة القصيرة التي لم تكد تتجاوز العشرة الأعوام بدأ النبي ÷ ببناء المسجد وجعله منارة علمية يجمعهم فيه للصلوات الخمس ويعلمهم القرآن وأحكامه، ويبين لهم حلاله وحرامه، ويوضح لهم معانيه، حتى حفظه الكثير منهم، وفي هذه الفترة القصيرة بين لهم جميع تفاصيل الشريعة الإسلامية قولاً وعملاً، ولولا الجهود الجبارة التي بذلها ÷ لما استطاع أن يصل إلى هذه الثمرة بين أمةٍ أميّة أكثرهم لا يقرأ ولا يكتب، ولكنه ÷ صبر وثابر حتى أوصل إليهم أدق التفاصيل، وحتى وصل الدين إلى مرحلة الكمال قال الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}[المائدة: ٣]، وقال النبي ÷: «تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك».
  ولأن هذه التعاليم الكثيرة لم يدركها جل الصحابة، وليسوا سواء في الفهم والعلم، ولما عليه طبائع البشر من الاختلاف والتمايز - لذلك فقد حرص ÷ على أن يبين لأمته الطريق المستقيم بعده فقال ÷: «إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبداً: كتاب الله وعترتي أهل بيتي إن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض».
  ولَمَّا كان القرآن قد نزل بلغة العرب وتلقوه عن رسول الله ÷ مشافهة مع معرفتهم بأكثر معانيه ومقاصده - لم يحتاجوا إلى أن يدرسوا العلوم التي توصلهم إلى فهمه مثل علم النحو، وعلم البلاغة وأساليبها وما هو المقصود منها، وعلم أصول الفقه وقواعده، ولا علم الصرف، ولم تكن قد ظهرت المعاجم اللغوية التي استوعبت الكلمات العربية، وإنما كانوا إذا أشكل عليهم أمر أو لفظ رجعوا فيه إلى النبي ÷ فبينه لهم وأعلمهم بمراد الله منه، ولهذا